الروائية العراقية ساهرة سعيد تعدّ من الأصوات الأدبية المميزة في الأدب العراقي المعاصر. تمتاز كتاباتها بالغوص في عمق التجربة الإنسانية، حيث تركز على قضايا اجتماعية وثقافية عميقة تنبع من واقع المجتمع العراقي وتحولاته على مر العقود، خاصة تلك المتعلقة بالمنافي والاغتراب.
تتناول روايات ساهرة سعيد قضايا الفجوة بين الأجيال، معاناة المنفى، العلاقة بين الإنسان والوطن، وتأثير التغيرات الاجتماعية والسياسية على الأفراد. في أعمالها، تظهر تعقيدات التجربة العراقية، خصوصاً معاناة العراقيين الذين هُجروا عن وطنهم بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية.
تستخدم ساهرة سعيد أساليب رمزية في سردها، حيث تمزج بين الخيال والواقع لإبراز المشاعر الإنسانية المتناقضة، مع الحرص على ربط الأحداث بشخصيات حقيقية وأماكن حقيقية عاشت فيها شخصياتها الروائية.
إسهاماتها في الأدب:
أبرز أعمالها، أرض الكنوز، تُعد مغامرة أدبية تمثل تجربة ثرية استلهمت فيها الكاتبة عالم المهمشين والمغتربين، مسلطة الضوء على صراع الهويات والبحث عن الذات في المنافي.
تعتمد أسلوباً مشوقاً يمزج بين الواقعية والفانتازيا، مع ميل واضح نحو السرد السلس الذي يتفاعل مع القارئ.
تهتم بالتفاصيل الحياتية لشخصياتها وتقدمها بصدق وحميمية، ما يجعل القارئ يتعاطف معها ويعيش تجربتها.
تأثرت بأعمال كبار الأدباء مثل نجيب محفوظ، طه حسين، وفيكتور هيغو، حيث يظهر هذا التأثر في شغفها بتناول القضايا الإنسانية الكبرى وإبراز معاناة المهمشين.
ساهرة سعيد تمثل صوتاً عراقياً صادقاً يعبر عن الحنين للوطن مع مواجهة تحديات العصر الحديث، وتركز أعمالها على الحفاظ على الهوية الإنسانية وسط التحولات الكبرى.
في مشوارها الأخير إلى القاهرة كان لنا أن نتعرف عليها عن قرب ونتعرف على مشوارها الإبداعي.
رئيس التحرير/ناصر رمضان عبد الحميد
ساهرة سعيد: روائية عراقية
مواليد: بغداد، 29/12/1952.
التعليم:
تخرجت من الثانوية الشرقية للبنات عام 1973.
خريجة كلية الآداب، قسم اللغة العربية، جامعة بغداد، عام 1977.
العمل:
درست اللغة العربية في ثانويات عدة لمدة ثماني سنوات.
الشهادات والهوايات:
حازت على دبلوم في العزف على العود وفن الصولفيج من معهد باسل بدمشق.
حصلت على شهادة “الإنكليزية للشؤون الحياتية” من معهد هرو بلندن.
العضوية: عضو في ملتقى الشعراء العرب.
الإصدارات الأدبية:
حكايات من وطن ومناف (مجموعة قصصية).
الطبيب بانديا (مجموعة قصصية).
الرغيف الأخير (مجموعة قصصية).
عوالم السيدة ميساء (مجموعة قصصية).
برج العقرب (مجموعة قصصية)، دار الحكمة – لندن.
أرض الكنوز (رواية).
جميع أعمال الكاتبة صادرة عن دار ميزر في السويد.
وإلى نص الحوار
- بداية، هذه أول رواية فيما أعلم بعد مجموعات من القصص القصيرة. فما الذي دفعك إلى كتابة الرواية؟
- الرواية تعالج مشاكل كثيرة، لا سيما فكرة البحث عن الراحة. فهل تكونت الفكرة لديك من خلال الغربة وما شاهدتِ؟
- هل ما زال الإنسان العربي بعد كل هذه الأعوام كما هو في الغربة؟
- الرواية فيها نقد واضح للمجتمع العربي عامة والشعب العراقي خاصة. فهل الدافع للنقد هو التغيير أو فتح باب للنقاش أم مجرد تسجيل الواقع؟
- الرواية فيها عنصر المرأة كمفعول به ومظلومة. هل ما زال الوضع كما هو رغم التعليم والسفر؟
- ما هي مشاريعك القادمة في عالم الرواية؟
- ماذا عن الفرق بين لندن والعراق في كل شيء، خاصة أنك تطرقتِ لبعض الفروقات بين الغرب والشرق، لا سيما في احترام القانون؟
- بعد التقنيات الحديثة وعالم الإنترنت، ماذا لو كتبتِ رواية أرض الكنوز الآن؟ ماذا كان سيتغير؟
- هل هناك تطور في مشواركِ الإبداعي من القصة إلى الرواية؟ وكيف استفدتِ من وجودكِ في لندن من حيث الاطلاع على ثقافة الغير؟ وما هي بعض الأسماء البريطانية التي أفادتكِ في تطورك الإبداعي، خاصة وأنتِ في أرض شكسبير العظيم؟
- قلتِ في نهاية رواية أرض الكنوز إن القادم عن سلمى وغسان. هل هناك ما يُكتب عنهما وتطور وعيهما واندماجهما مع المجتمع الغربي؟
- ما رأيكِ بالملتقيات الأدبية عبر الإنترنت، لا سيما ملتقى الشعراء العرب الذي أسسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟
- بعد زيارتكِ للقاهرة، ماذا عن حبكِ لمصر والمصريين؟ وكيف رأيتِ الشعب المصري؟
- بين الحين والآخر تسافرين إلى العراق. ماذا بعد كل هذه السنوات؟ وهل تغيرت الأوضاع للأجمل أم هناك الكثير من التحديات؟
- في المجموعة القصصية برج العقرب، كل قصة تصلح لرواية، كما في القصة الرابعة أرض الكنوز. فلماذا لم تُخرج كل قصة في رواية خاصة، لا سيما أن عدد الصفحات أحياناً وصل إلى ما يقارب 100 صفحة؟
- الحديث في برج العقرب عن القاع ومجتمع ربما لا يعرف عنه العالم العربي، بل ربما أهل بغداد أنفسهم. فما الذي دفعكِ إلى الكتابة عن عالم المهمشين؟
- في قصة تراخوما هناك عنصر مفتقد استُبدل من وجهة نظركِ بالملهم أو الملاك أو ما شابه في صورة من يوحي إلى البطلة (لميعة) لتنتقم من غازي وسهام، وهو نوع من الفانتازيا. فهل هذا مقبول في الواقع؟
- في قصة ما وراء النافذة، تناولتِ خيرية وتحويل البشر إلى أرقام. هل هذا نوع من الواقع المعاصر حيث أصبح الناس بلا قيمة؟ أم هو تصوير لما سيكون عليه العالم في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد العربية أمام التطور الرهيب وعالم الروبوتات البشرية؟
- ما رأيكِ بالملتقيات الأدبية، خاصة ملتقى الشعراء العرب الذي أسسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟ وعلى جانب اللقاء بالأديب ناصر رمضان، كيف كانت فكرتكِ عنه قبل اللقاء وبعده من حيث الثقافة والنقد الأدبي؟
أجرى الحوار من القاهرة
ناصر رمضان عبد الحميد
ج 1
لم أكن أفكر في كتابة رواية إلا بعد أن أنهيت نشر المجموعة القصصية (برج العقرب)، وذلك بعد الاستماع إلى بعض مقترحات الأصدقاء من القراء الجيدين الذين نصحوني بكتابة رواية. راق لي الاقتراح، لكني ترددت وخفت، لأن العمل الروائي عمل كبير يحتاج إلى عناصر كثيرة لينجح. لاقت رواية (أرض الكنوز) رواجاً جيداً، مما شجعني وزاد من جرأتي لكتابة رواية جديدة. قبل سنتين بدأت العمل على رواية بعنوان (امرأة من رماد) بأربعة أجزاء، وقد أتممت ثلاثة منها وأنا الآن بصدد المباشرة بالجزء الرابع والأخير.
ج 2
كما يُقال في الأدب: “فلان يبحث عن الخلود”، أما الكاتب فيبث أحزانه وخوالجه وينزلها على الورق ليخفف من أثقال أيام غربته وحياته العسيرة. ولا بأس أن يحظى بقبول عند القراء، بعد أن يستشفوا صدقه وحُسن تعبيره عن معاناته ومعاناة من عاش مثيلاً لتجربته.
ج 3
تنقلتُ من منفى إلى منفى آخر لمدة اثنين وثلاثين سنة، ووجدت أن تلك المنافي تشترك في موضوع واحد، وهو أنك لست في وطنك. قد يبدو منفاك وردياً من الخارج، ولكنك لن تستطيع أن تنسى حنينك إلى وطنك، وهذا ما يعكر صفو أيامك. ولكن على المنفي أن يسلك طريقاً سليماً، وإلا فهو سائر في طريق مسدود.
ج 4
كيف تستطيع أن تغضّ الطرف عما يدور الآن من هوان في بلداننا العربية، والعراق جزء منها؟ أنا لست ناقدة، لكن معاناة شعوبنا ظاهرة للعيان. ومن لا يرى الشمس بالمنخل فهو أعمى العيون والوجدان. نعم، من الواجب علينا أن نسجل ونثير مواضيع للنقاش، علَّنا ننتشل بعضنا من السقوط في الهاوية!
ج 5
عانت المرأة العراقية كثيراً من العسف والعبودية الاجتماعية على مدى التاريخ القديم والحديث. ومن المفارقة أنها تمتعت بحرية لا بأس بها خلال السبعينيات من القرن الماضي، في ظل أعتى دكتاتورية شهدها البلد. ولكن بعد سقوط صدام، تعرضت حالة المرأة إلى انتكاسة رهيبة، حيث أصبح رجل الدين المزيف هو الذي يدير البلد. فكانت الدعوة إلى الحجاب محمومة، وقوبلت بحركة ابتذالية تنضح بالإسفاف تحت رعاية تجار الدين وبعلمهم.
ج 6
نوهت سابقاً إلى أنني أعمل الآن على تكملة الجزء الرابع من رواية (امرأة من رماد)، وما زلت أُحضِّر لكتابة الجزء الخامس من رواية (أرض الكنوز).
ج 7
إذا صادف أن استقريت في منفى أوروبي بعيداً عن البلدان العربية والشرق، وعلى الرغم من معاناتك القاسية أمام اللغة التي يتحدث بها ذلك المنفى، ستجد الأمان والحرية ولقمة العيش الكريم. أكثر ما يخفف من حنينك إلى وطنك في تلك البلدان ذات الأنواء الجوية القارسة، هو سيادة القانون. القانون هناك يُطبق على الجميع في ظل قضاء حديدي، على عكس أغلب بلداننا العربية التي تعيش تحت نظام الغابة، حيث القوي يأكل الضعيف!
ج 8
عالم الإنترنت يشبه سيفاً ذا حدين؛ يمكن أن تُجرّ إلى عالم من الفراغ والتفاهة، أو تستفيد من سرعته للاطلاع على آخر المستجدات التي يحتاجها الكاتب الحقيقي. كان للإنترنت أثر كبير على مسيرتي الكتابية. بدأت بكتابة قصصي على شكل حلقات يومية أنشرها، فيتلقفها القراء المتابعون وكأنها مسلسل تلفزيوني يومي. استهوتني هذه الطريقة، واعتمدتها منذ أن فتحت حسابي على الفيسبوك وحتى الآن.
ج 9
الكاتب الجيد يشبه الممثل الجيد، الذي يتلقى قبول الجمهور أو إعراضه مباشرة على المسرح. وعلى الكاتب أن لا يستهين بعقلية القارئ. أنا حذرة دائماً من أن أتورط في كتابة لا تغني ولا تشبع. بعد أن لاقيت تشجيعاً من القراء، عملت بجهد لأكون بمستوى الثقة التي منحوني إياها.
بذلت جهداً كبيراً لتعلم اللغة الإنجليزية، مما فتح لي باباً شبه موارب للاطلاع على ثقافة الشعب الإنجليزي في لندن، منفاي الأخير.
ج 10
اتخذت من الشخصيتين الشابتين، غسان وسلمى، نموذجاً لجيل وُلِد في المنافي أيام التسعينات، فحدثت فجوة بيننا وبين جيل التسعينات. نحن قضينا ما يقارب نصف أعمارنا في وطننا، فصعب علينا التكيف مع المنافي، ولكن الجيل الجديد الذي يتراوح الآن عمره بين الثلاثين والأربعين وُلِد في المنافي. وعلى سبيل المثال، الطفل ذو الأربع سنوات يدخل المدارس الإنجليزية، ووقت دوامه من الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً، ويُطبق عليه منهاج باللغة الإنجليزية، من صغره إلى أن يبلغ الثامنة عشرة. ولك أن تتصور البون الشاسع الذي سيحدث بينه وبين أبويه. واجه جيل السبعينات صعوبة كبيرة في التفاهم مع هذا الجيل الجديد، جيل المنافي.
سألقي الضوء في حكاية سلمى وغسان في الجزء الخامس من أرض الكنوز على المعاناة بين جيل عاش في وطنه والآخر عاش في المنافي منذ نعومة أظفاره.
ج 11
أنا أفرح بكل ابتكار وإبداع في الملتقيات الأدبية، وأشد على أيدي الأدباء الذين يساهمون في هذه النشاطات، وأبارك جهود الشاعر القدير ناصر رمضان لمبادرته المشرفة بتأسيس ملتقى الشعراء العرب.
ج 12
تربيت على قصص وروايات نجيب محفوظ ويحيى حقي ويوسف إدريس وغيرهم من كبار الكُتّاب والأدباء. تفتحت عيناي على أيام طه حسين، متُّ عشقاً مع فاتن حمامة وأبطالها. صداقتي مع الرائعة نادية شعراوي، مدرسة الرياضيات، في المنفى اليمن في الثمانينات. أحب مصر وأنهل من نيلها. مصر أمي الثانية أم الدنيا.
ج 13
نعم، أذهب إلى العراق سنوياً لاشتياقي لوطني وأهلي. نحن العراقيون أصبنا بخيبة أمل كبيرة حيث كنا نعتقد أن سقوط الدكتاتور هو باب الفرج، ولكن، وعن طريق الطباق اللغوي، فقد سقط النظام وحلت الفوضى. أصبحنا كمن يزور وطنه وكأنه ذاهب إلى منفى جديد.
ج 14
نعم، هذا صحيح، فالقصص طويلة وأطلق البعض عليها تسمية نوفيلا، وهذا يرجع لعدم اقتناعي وخوفي من التورط في كتابة رواية. ولكن كتابتي لـأرض الكنوز هو نوع من المقامرة مع النفس!
ج 15
استهواني الاطلاع على عالم المهمشين منذ طفولتي، فطالما أعجبت برواية البؤساء لفيكتور هيغو ورواية أوليفر تويست لشارلز ديكنز وغيرها من القصص والروايات. نشأت في مجتمع جُلّه من العمال والفلاحين، ولمست منذ صغري معاناة الفقراء وتجبر الأغنياء، فانعكس ذلك في عوالمي الكتابية.
ج 16
في الحقيقة، عندما أطلقت أرقاماً على شخصيات القصة، لم يكن في حسباني أن النقاد سيعتقدون أنني استعملت هذا الأسلوب لكي أقول: إن الإنسان في عالمنا الجديد، الذي قرب إلى التوحش، أصبح رقماً في عالم سيطرت عليه التكنولوجيا بشقها الشرير. هذا التصور فاجأني وأفرحني في الوقت نفسه.
ملاحظة
كانت الأرقام هي أرقام حقيقية للبيوت التي سكنتها شخوص القصة.
إن الخيال هو جزء من واقعنا، نحن نستمد خيالنا من الواقع وهو متأت من حياتنا اليومية. الخيال والواقع هما صنوان متلازمان، يكمل أحدهما الآخر.
كم أحب القراء ألف ليلة وليلة المليئة بالخرافة والخيال.
على الكاتب أن يستفيد من الفانتازيا المحبذة ويبتعد عن الإسفاف.
ج 17,18
كان لقائي بالشاعر ناصر رمضان لقاءً مثمراً. ناصر رمضان شاعر قدير وأديب جاد ومثمر، يعمل بحماس شديد ليري حضارة بلده وعراقتها. أعتز بصداقته.
ساهرة سعيد
مع التحيات
حاورتها من لبنان غادة الحسيني
مدير التحرير بمجلة أزهار الحرف
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي