دَرْبُ النُّورِ…
فِي خِضَمِّ الْعَاصِفَةِ نَظَرْتُ إِلَى الْأُفُقِ الْبَعِيدِ، مَرَرْتُ بِالْغَيْمَاتِ الَّتِي لَبَّدَتِ السَّمَاءَ هَمًّا وَحُزْنًا وَاسْوِدَادًا غَيْرَ آبِهَةٍ، فَعَبَّدْتُ دَرْبًا لِلْأَمَلِ بَيْنَهَا، ثُمَّ رَصَّعْتُهُ بِالْإِيمَانِ. فَتَنَاهَى إِلَى مَسْمَعِي صَوْتٌ يَهْمِسُ: “تَقَدَّمِي، لَا تَتَوَجَّلِي.”
فَتَقَدَّمْتُ بِنَظَرِي، مُشِيحَةً عَيْنَيَّ عَنْ كُلِّ الْمَعُوقَاتِ، مُفْلِتَةً يَدَيَّ مِنْ قُيُودِ الشَّكِّ وَالْهَمِّ وَقِلَّةِ التَّوَكُّلِ، آخِذَةً نَفَسًا عَمِيقًا حَمَّلْتُهُ رَجَائِي بِأُمْنِيَاتٍ تَتَجَسَّدُ، حَاضِنَةً بِقَلْبِي أَحْزَانِي، وَجَاهِزَةً لِاسْتِقْبَالِ تَغْيِيرٍ جَمِيلٍ.
وَهُنَا رَأَيْتُ نُورًا غَرِيبًا يَتَسَلَّلُ مِنْ مَمَرٍّ ضَيِّقٍ بَيْنَ الْغَيْمَاتِ، وَبَدَأَ رُوَيْدًا رُوَيْدًا يُبَعْثِرُهَا وَيَخْتَرِقُهَا، حَتَّى فَرَّتْ مِنْ دَرْبِهِ حَالَهَا حَالَ عَدُوٍّ انْهَزَمَ وَتَقَهْقَرَ أَمَامَ عَظَمَةِ مُنَافِسِهِ.
ثُمَّ انْجَلَتِ السَّمَاءُ وَتَمَدَّدَ النُّورُ دَاخِلًا قَلْبِي وَعَقْلِي، وَعَادَ الصَّوْتُ لِيَهْمِسَ لِي: “اتَّبِعِي النُّورَ.”
لَمْ أَفْهَمْ لِلَحَظَاتٍ، ثُمَّ لَمَعَ فِي رَأْسِي الْمُرَادُ مِنْ تِلْكَ الْهَمْسَةِ الرَّقِيقَةِ… النُّورُ هُوَ أَفْرَاحُنَا الَّتِي حَبَسْنَاهَا دَاخِلَنَا وَأَحْكَمْنَا الْإِقْفَالَ عَلَيْهَا بِأَقْفَالِ الْيَأْسِ وَالْحُزْنِ وَالذِّكْرَيَاتِ الْأَلِيمَةِ.
فَحَطَّمْتُ تِلْكَ الْأَقْفَالَ، وَرَكَضْتُ بَيْنَ حَنَايَا رُوحِي بَاحِثَةً عَنْ ذِكْرَيَاتِي الْجَمِيلَةِ وَمَصَادِرِ قُوَّتِي وَأَجْمَلِ لَوْحَاتِ طُفُولَتِي. فَابْتَسَمْتُ مِنْ أَعْمَاقِ أَعْمَاقِي، وَآمَنْتُ، نَعَمْ آمَنْتُ، بِأَنَّ مَنْ رَكَّزَ عَلَى النُّورِ سَيَجِدُهُ وَلَنْ يَضِيعَ فِي عُتْمَةِ الْأَيَّامِ.
دَعْدُ عَبْدُ الْخَالِقِ
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي