جرح في الأرض ونبض في السماء
بردٌ يلفُّ فلسطين كالكفن،
وصقيعٌ يحفر على الوجوه رواياتِ الشقاء،
لكنّ الأرضَ لا تنحني،
وإن غطّاها الثلجُ والنسيان.
على السطوح أرواحٌ تسكن الظلال،
وعيونٌ تحدّق في سقف السماء
تبحث عن دفءٍ يهربُ كالحلم،
وتسأل النجومَ: متى يأتي الصباح؟
هل سيأتي الصباح ؟
في الشوارع يغني الشتاء أغنيته القاسية،
صفير الرياح يعلو، فوق الجدران المتعبة،
و قلب الأرض ينبض بالأمل
وكلّ حبّة زيتون تهمس: لن ننكسر…
لن ننكسر …
يا فلسطين، أكتبُكِ بحروفِ الدماءِ والزهور،
فأنتِ من علم الأممَ معنى الصمود،
وأنتِ تُذيبينَ قيودَ الحديدِ
وتنحتينَ منها طريقَ النصرِ.
الأمهات يوقدن الحنين نارًا،
يجعلنَ من الخبز قصةَ صمود،
وفي عتمة الليل، يحلمنَ بمفتاح
يزيح عن الوطن أقفال الحديد.
فلسطينُ في الشتاء ليست بردًا،
ليست صقيعاً..
هي دفءٌ في الذاكرة،
وحكايةٌ تكتبها الأجيال
تحت السماء الملبّدة بالصمت.
وإن طال الليل وتجمدت الدروب،
يبقى الربيع وعدًا يُولد
من قلب الثلجِ والزيتون،
يشرقُ كما الشمس على غزة والجليل.
مهما طالَ الطريق، إليكِ سنعود،
سنعود…
ونحملُ في أيدينا زيتونةً وعلَمًا،
ونزرعُ في ترابكِ أحلامَ الأطفال،
وأمنيات الأمهات
حتى يُنبتَ الحلمُ وطنًا،
ويصيرُ الحزنُ أغنيةً للحرية
غزَّةُ، يا سيفًا مغروسًا في صدرِ العدوِّ،
يا موجةً تغسلُ أوجاعَ البحرِ،
علمتينا أنَّ الجوعَ يصيرُ خبزًا
حين يُنبتُ من الصبرِ شجرةَ الكرامةِ.
فلسطينُ، يا مهدَ الأنبياءِ،
كلُّ جرحٍ فيكِ صلاةٌ،
وكلُّ دمعةٍ فيكِ وعدٌ،
وكلُّ طفلٍ يولدُ بين جدرانِكِ
هو رصاصةُ الحقِّ
في وجهِ الباطلِ.
فلسطينُ يا وطنًا يخطُّ ملامحَهُ الدمُ،
يا شمسًا لا تغيبُ عن قلبِ السماءِ،
في زيتونكِ قصصُ الحياةِ والموتِ،
وفي أفقكِ وعدُ الرجوعِ وانتصارِ النداءِ.
قدسُكِ، كوكبٌ يضيءُ ظلامَ الليلِ،
لا تُطفئُهُ خناجرُ الغزاةِ،
ولا تُسقطُهُ أعباءُ الخيانةِ،
في صخورِه إرثَ الأنبياءِ،
وعلى مآذنهِ تُرفعُ صلاةُ الأرضِ للسماواتِ.
نازك الخنيزي
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي