حُرُوفٌ…
أَطْرُقُ أَبْوَابَ الكَلِمَاتِ، فَتَتَرَاقَصُ حُرُوفُهَا. هُنَا بَكَى حَرْفٌ حِينَ أَرَدْتُ الحَدِيثَ عَنْ أُمِّي، وَذَاكَ الحَرْفُ حَنَّ وَرَقَّ حِينَ سَرَحْتُ لِأُخْبِرَ عَنْ الحُبِّ. وَتَمَايَلَتْ حُرُوفٌ أُخْرَى، مُنْتَظِرَةً دَوْرَهَا لِتَصْطَفَّ وَتُنْشِدَ أَشْعَارًا عَنْ الأَمَلِ وَالفَرَحِ وَالسَّلَامِ.
ثُمَّ رَأَيْتُ حُرُوفًا رَاكِعَةً تُصَلِّي وَتُتَمْتِمُ: “اللهُ”. وَفَجْأَةً هَاجَمَتْنِي كَلِمَاتٌ، أَعْلَنَتْ حُرُوفُهَا طُبُولَ الحَرْبِ وَالعِصْيَانِ، فَدَفَعْتُهَا بَعِيدًا عَنْ فِكْرِي، وَرَكَضْتُ لِأَحْتَضِنَ حُرُوفَ اسْمِ أَبِي، فَأَحْتَمِي بِظِلِّهَا مِنْ غَضَبِ الأَيَّامِ. فَالْتَفَّتْ حَوْلِي، وَكَالسِّحْرِ أَنْقَذَتْنِي مِنْ خَوْفِي وَوَجَلِي، فَدَبَّ فِي أَوْصَالِي الأَمَانُ.
وَلَكِنْ، فَجْأَةً، أَطَلَّتْ حُرُوفٌ تَتَبَاهَى بِقُدْرَتِهَا عَلَى الاِجْتِمَاعِ لِبَثِّ الحِقْدِ وَالكُرْهِ وَزَرْعِ الضَّغِينَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَاتَّحَدَتْ فِي كَلِمَاتٍ تَحَوَّلَتْ إِلَى عِبَارَاتٍ رَدَّدَتْهَا أَصْوَاتٌ مُرْعِبَةٌ. وَلَكِنَّ الصَّوْتَ بَدَأَ يَخِفُّ رُوَيْدًا رُوَيْدًا، وَتَكَسَّرَتِ الكَلِمَاتُ وَتَشَرْذَمَتْ، فَوَقَعَتِ الحُرُوفُ أَرْضًا، تَسْتَغِيثُ طَالِبَةً السَّمَاحَ.
حِينَئِذٍ، دُقَّتْ أَجْرَاسُ الكَنَائِسِ، وَعَلَا أَذَانُ الجَوَامِعِ، وَبَدَأَتْ تُتْلَى آيَاتُ اللهِ، فَسَكَنَتِ الحُرُوفُ، وَاخْتَفَتِ الكَلِمَاتُ المُؤْذِيَةُ، وَعَادَ السَّلَامُ يُنِيرُ المَكَانَ.
- دَعْدُ عَبْدِ الخَالِقِ / لُبْنَان
