
نافذتي.. ذاكرة الثلوج
انْكَسَرَ الْيَوْمَ عَلَى زُجَاجِي قَمَرَانِ
أحَدُهُمَا صَقِيعٌ يَنْسَلُّ مِنْ فَضَاءَاتِ السَّمَاءِ،
وَالثَّانِي قَلْبِي.. مُلْقًى بِوَسَطِ الْعَرَاءْ.
كُلَّمَا أَرْسَلَتِ الرِّيحُ أنِينَها البَعِيدَ،
اِنْحَنَى الزُّجَاجُ، وَاسْتَقْبَلَ الْوَجَعَ الْجَدِيدْ.
رَسَمْتُكِ يَا مَنْ فَاضَتْ بِكِ السَّنَوَاتُ..
قَلْبًا يَقْطُرُ وَهْمًا،
وَسَهْمًا مِنْ ضُيُوعِ اللَّحَظَاتْ.
حَرْفُ اسْمِكِ صَارَ سَرَابًا يَتَرَاقَصُ فَوْقَ دَمْعَتِي،
يُذَيِّلُهُ الصَّبَاحُ بِغُصُونٍ مِنْ ذِكْرَيَاتٍ مُمْتَلِئَةٍ بِالْحِنَّـــاءْ.
أتَذَكَّرُ يَوْمَ كُنْتِ تَحْتَالِينَ عَلَى الْجُوعِ..
تَخْبِئِينَ الْخُبْزَ بالزّعتر فِي جَيْبِ مِعْطَفِي،
وَتَنْهَرِينَ الشِّتَاءَ لِكَيْ لَا يُقَارِبَ شَعْرِي..
الْآنَ.. حَتَّى الْبَرَدُ يَخْشَى أَنْ يَمَسَّ رُوحَكِ الْمُرْتَسِمَةَ فِي الْهَوَاءْ.
هَذِهِ الْغُرْفَةُ لَمْ تَعُدْ إِلَّا صَدًى لِصَوْتِكِ
“اِتَّكِئِي عَلَى كَتِفِي.. اِشْرَبِي الْقَهْوَةَ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ..”
كُلَّمَا اِغْتَسَلَ الْوَقْتُ بِالزَّفَرَاتِ،
تَخْتَلِطُ حُرُوفُكِ بِضَجِيجِ الْمَطَرْ،
فَأَسْمَعُهَا تَتَنَزَّلُ كَنَغَمٍ مَا انْقَطَعَ.. مَا اِنْكَسَرْ.
لَكِنَّ الزَّجَاجَ قَاسٍ..
يَطْوِي الرُّسُومَ كَأَنَّهَا وَرَقٌ مُبَعْثَرْ،
وَالشَّمْسُ تَأْبَى أَنْ تَجْفِفَ دَمْعَتِي إِلَّا لِتَحْمِلَهَا إِلَى عَالَمٍ آخَرْ.
أَيُّهَا الصَّقِيعُ.. لِمَ تَأْكُلُ الْوَرْدَ الَّذِي رَسَمْتُهُ فَوْقَ جَبِينِهَا؟
أَلَمْ تَكُنْ لَكَ قُلُوبُ الْغُيُومِ.. وَرِحْلَةُ الْأَنْهَارِ إِلَى الْبِحَارْ؟
أمّي.. هَلْ تَرَيْنَ؟
كُلَّمَا اِزْدَادَ الْبَرْدُ..
اِقْتَرَبَتْ ظِلَالُك مِنْ مِدْفَأَتِي الْعَتِيقَةْ،
تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا رَائِحَةَ الْقُرْصِ الْمَشْوِيِّ.. وَحِكْمَةَ الْجَدَّاتْ.
أَمْسِكُ بِاللَّحَظَاتِ كَالرِّمَالِ..
فَتَهْرُبُ مِنِّي كَالْأَطْفَالِ،
وَتَلُوثُ بِالْحُبِّ جُرُوحَ الْأَيَّامِ الْجَرِيحَةْ.
بقلمي/ د. لور عبد الخالق الأعور/ لبنان