
الدراما .. متى تخلع قناع الزيف؟
بهذا الموسم الرمضاني، حان الوقت لتختفي تلك المشاهد المصطنعة التي تبعد الدراما عن واقعها الحقيقي، آن الأوان لنودّع البيوت الفارهة التي لا تعكس سوى جزء ضئيل من المجتمع، والشخصيات التي تبدو وكأنها خرجت من صالات عروض الأزياء، بوجوه نضرة لا تعرف التعب، وحياة مثالية لا تشوبها الفوضى أو العشوائية.
أما الشخصيات، فتكاد تكون كائنات من عالم آخر، يرتدون من الثياب أفخرها، لا تجاعيد على الوجوه، ولا أثر للتعب في العيون، حتى داخل جدران المنازل حيث تكون المرأة حاضرة في كامل زينتها، وشعرها مسرّح كأنها تتهيأ لحفل، وكأن الاستيقاظ من النوم لا يشمل البشر في هذه العوالم المتخيّلة. الأطفال كذلك يظهرون وكأنهم كائنات ملائكية، مهذبون بلا صراخ أو شغب، وكأن براءة الطفولة وما يرافقها من فوضى غير مرحب بها على الشاشة.
وعندما يُرفع الهاتف، نشاهدهم يتحدثون لكن دون أن يكون الاتصال فعليًا، إذ يبدو الجهاز مفتوحًا على تطبيق آخر، في مشهد يضرب بعرض الحائط تفاصيل الحياة البسيطة. أما الأبطال، فهم خالدون لا يموتون إلا نادرًا، وإن ماتوا، عادوا إلى الحياة بطرق غير منطقية، وكأن القصة لا تكتمل إلا بحضورهم الأبدي. كما أن الأشرار دائمًا ينالون جزاءهم بطرق متوقعة، وكأن الحياة لا تحتمل مفاجآت أو انعطافات غير متوقعة.
ومن المسلمات غير المبررة، أن الحب في الدراما يجب أن يكون بين المشاهير، وكأن القلوب لا تنبض إلا لأمثالهم، وكأن قصص العشق البسيطة بين شخصيات عادية لا تستحق أن تُروى. كما أن العلاقات الأسرية تبدو مصطنعة، حيث الأم دائمًا حنون ومتفرغة لأولادها، والأب إما مثالي بصورة غير واقعية أو قاسٍ بطريقة نمطية، فيما تُختزل مشاكل العائلة في خلافات سطحية بعيدة عن تعقيدات الحياة الحقيقية.
أما المهن التي يُمارسها الأبطال، فهي غالبًا ما تكون وظائف لامعة مثل رجال أعمال وأصحاب شركات أغنياء، في حين تكاد تغيب عن الشاشة المهن العادية التي تشكل العمود الفقري للمجتمعات، فلا نرى البائع في السوق، أو المزارع، أو العامل البسيط الذي يكافح لكسب لقمة العيش. كأن هذه الفئات لا تستحق أن تُروى قصصها، رغم أنها تشكل القلب النابض للمجتمع.
إن المشاهد اليوم لم يعد أسير الخيال المبالغ فيه، بل يبحث عن مرآة يرى فيها انعكاس مجتمعه الحقيقي، يلامس فيها همومه وأحلامه، ويشعر أن الدراما ليست مجرد لوحة باذخة لا تمتّ لواقعه بصلة، بل هي صورة للحياة كما هي، بأحزانها وأفراحها، بواقعيتها لا ببهرجتها الزائفة. متى سنرى أعمالًا تحاكي الواقع بصدقه، تجعلنا نؤمن أن الفن مرآة للحياة، لا انعكاسًا مشوهًا لها؟ متى ستتجرأ الدراما على كسر القوالب النمطية وتقديم قصص من رحم الشارع، من داخل الأحياء العادية، عن أشخاص يعيشون كما نعيش، يحبون كما نحب، ويحلمون كما نحلم؟
الناقد السينمائي شربل الغاوي.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي