قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (سرد تعبيري)– للشاعرة : فريدة توفيق الجوهري /لبنان.
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
قصيدة /سرد تعبيري/ للشاعرة فريدة توفيق الجوهري هي نص شعري يُظهر تناغمًا بين الطبيعة والمشاعر الإنسانية، ويستحضر صورة فلسفية عميقة عن دورة الحياة والتغيرات المستمرة بين الفصول. القصيدة تتميز باستخدام الأسلوب السردي والتعبيري في تصوير التفاعلات بين الطبيعة والذات الإنسانية. يمكننا من خلال تحليل أسلوبي لهذه القصيدة استكشاف عدة عناصر جمالية وبلاغية تساهم في التعبير عن الفكرة الرئيسية للموت والحياة، البداية والنهاية.
- البنية اللغوية والتعبير المجازي:
القصيدة مليئة بالصور البلاغية والاستعارات التي تمنح النص طابعًا شعريًا عميقًا. على سبيل المثال:
/يرقص الشتاء رقصة المطر/: هنا يتم تجسيد الشتاء كمخلوق حي يرقص، مما يعزز الفكرة الدرامية ويربط بين الطقس والمشاعر المتغيرة، مثل الفرح أو الحزن.
/يعزف سمفونية اللقاء الوحيد/: هنا يتم استخدام الاستعارة لتصوير الشتاء ليس فقط كمناخ بارد، بل كحدث عاطفي يرافقه موسيقى فريدة من نوعها، مما يضفي على الحالة الطبيعية طابعًا فنيًا، ويعزز فكرة الترابط بين العالم الطبيعي والعواطف الإنسانية.
/تعانق الريح السنديان والزيتون في رعشة مجنونة/: الشاعرة تُجسد الطبيعة وكأنها كائنات حية في حالة من التواصل والحركة، تعبر عن التفاعل بين عناصر الحياة.
- التوظيف الرمزي للطبيعة:
استخدام الشاعرة للطبيعة في القصيدة هو توظيف رمزي قوي يشير إلى حالتها النفسية والفكرية. الشتاء، الريح، السنديان، الزيتون، والأشجار العارية كلها تحمل دلالات متعددة:
الشتاء: يُعتبر رمزًا للبرودة والموت أو النهاية، ولكنه أيضًا بداية جديدة تحمل فيها الأرض إمكانية التغيير والتجدد. الشاعرة تُسلط الضوء على التوتر بين البداية والنهاية، كما يتجلى في: /هل الشتاء بداية أم نهاية…؟/.
الأشجار العارية: ترمز إلى فقدان الحياة أو الموت، في انتظار الحلم أو التجديد الذي سيأتي مع /حصان الشتاء الأبيض/، أي بداية جديدة أو أمل.
السنديان والزيتون: الأشجار هنا ليست مجرد عناصر طبيعية، بل تجسد القوة والصمود، والتفاعل بينها يعكس أيضًا التلاحم بين الفصول المختلفة.
- الأسلوب السردي والتعبيري:
القصيدة تبدأ بتفاصيل بصرية وسمعية (الشتاء، المطر، الريح، السنديان، الزيتون)، مما يساعد في بناء مشهد طبيعي حي، ينساب عبر الذهن ويُحاكي تصور القارئ. الأسلوب السردي يستخدم /التساؤل/ لفتح المجال أمام القارئ للتفاعل مع الموضوع بشكل أعمق:
/هل الشتاء بداية أم نهاية؟/ هذا السؤال يفتح المجال للتأمل الفلسفي حول مفهوم الزمن والتغيرات في الحياة.
الشاعرة تستخدم أيضًا مفردات شعرية غير تقليدية في وصف مشاعرها، مثل /حاملة عصا الحيرة/، مما يضفي على النص توترًا داخليًا بين محاولة فهم الواقع وبين الحيرة والشك الذي يعتري الذات.
- التكرار والتوازن بين الأزمنة:
تتردد في القصيدة فكرة الزمن المتقاطع بين النهايات والبدايات: /رحيل أعوام وبداية أعوام، موت فصول وانبعاث فصول/. هذا التكرار يعكس العلاقة المتبادلة بين الفقد والتجديد، كما يعزز شعور الشاعرة بأن الحياة مستمرة بتقلباتها، حيث لا يوجد فاصل حاد بين النهاية والبداية، بل هي حالة مستمرة تتنقل بين الفرح والحزن.
/لحن يعزف الحزن والفرح/: هذا التوازن بين الحزن والفرح يجعل القصيدة تحتفظ بطابع شعري متعدد الأبعاد، إذ يُعبر عن الحياة في تجلياتها المختلفة. تقترب القصيدة من فكرة فلسفية تؤكد أن كل تجربة حزن تحمل معها إمكانية الفرح، والعكس صحيح.
- الإيقاع الموسيقي:
القصيدة تحمل إيقاعًا متدفقًا يتمثل في تسلسل الأفكار والمشاهد الطبيعية المتشابكة، مما يعزز البُعد الموسيقي للنص. العبارات مثل /سمفونية اللقاء الوحيد/ و/لحن يعزف الحزن والفرح/ تُحاكي الأذن عبر الموسيقى المقترحة. من خلال هذه التوظيفات، يتم بناء تناغم داخلي يوازي التناغم الخارجي بين العناصر الطبيعية.
- التأمل الفلسفي والإحساس بالوجود:
القصيدة تحمل طابعًا فلسفيًا يعكس تأملات الشاعرة في دورة الحياة والموت والتجدد، مما يساهم في تقديم رؤية عميقة ومتوازنة للوجود. تتساءل الشاعرة عن المعنى وراء التغييرات التي تمر بها الطبيعة، لتُظهر التوازي بينها وبين تجارب الإنسان الداخلية. في النهاية، تتحول هذه التأملات إلى نوع من النشوة الروحية عبر فكرة /عرس الحياة/، الذي يعكس قدرة الحياة على تجديد نفسها باستمرار.
الخاتمة:
قصيدة /سرد تعبيري/ هي قصيدة ذات طابع فلسفي عميق، تُعبّر عن التفاعل بين الذات الإنسانية والعالم الطبيعي في رحلة مستمرة بين البداية والنهاية. باستخدام الصور البلاغية العميقة والرمزية المتناغمة، تقدم الشاعرة فريدة توفيق الجوهري رؤية شاعرية تشيد بحياة تتأرجح بين الفقد والتجدد. من خلال الأسلوب السردي والتعبيري، يتمكن النص من جذب القارئ للتفكير في الأسئلة الوجودية الكبرى المتعلقة بالزمن، الفصول، والأمل، مما يخلق رابطًا عاطفيًا وفكريًا قويًا مع المتلقي.
القصيدة :
سرد تعبيري
على مشارف منزلي يرقص الشتاء رقصة المطر يعزف سمفونية اللقاء الوحيد تعانق الريح السنديان والزيتون في رعشة مجنونه أما العراة من الأشجار ينتظرن الحلم القادم من بعيد على حصان الشتاء الأبيض .وأجلس على مد التساؤل حاملة عصا الحيرة أقلب الفكر المشاكس بأطراف أصابعي هل الشتاء بداية أم نهاية…؟ هو النهايات والبدايات معا يجتمعان في كف واحدة. رحيل أعوام وبداية أعوام ،موت فصول وانبعاث فصول لحن يعزف الحزن والفرح ،فبين وداع ولقاء تنتفض عروق الارض و يتجدد عرس الحياة.
فريدة توفيق الجوهري /لبنان

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي