إيقاع الزمن بين غيابك وحضور نبضي
قراءة نقدية اسلوبية في قصيدة : الساعة تتوقف مع نبضات فؤادي – للشاعرة : چنور نامق – كردستان العراق .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
القصيدة :
الساعة تتوقف مع نبضات فؤادي
شعر: چنور نامق – كردستان العراق .
ترجمة: مكرم رشيد الطالباني
لا زلتُ في هذا الصباح لوحدي
بؤبؤةُ زيتونةٍ سوداء
لا تستطيعُ المقاومَةَ بين جنونِ أناملي
وجوزةٌ خدرةٌ لا تقرُّ لها قرار
تُعاني بين يديّ
بدوركَ لن تحضرَ
كي تُقسِمَ هذا الموعدِ الفاترِ مع ثلاثتنا…
ولمْ تَحضر
كي تُهَدهِدَ جنازتي لحظةً
لِمَ لَمْ تحضرَ كي تجمعَ ربطاتَ شعري عندَ أقدام الطوفانِ؟
مرّةً أخرى وحدي لا زلتُ وحيدةً
بينَ لحظةٍ وأخرى
تتوقفُ الساعةُ ببطء مع نبضات فؤادي
تأتي وتمرّ
تمرَ وتأتي
تعودُ إلى البداية لتُغيّرَ عقاربَ الأوقاتِ
وتوقفها في الزمن الذي كنّا نقوم فيه بتأخير ساعاتنا
لإطالة اللقاء
غمرتْ حلاة اللقاءِ طعمَ مرارةٍ شفاهنا
كان ما كان
ولم يكن بعدَ ذلك
أخبرني أنتَ
أي موعدٍ من المواعيد السابقة أفضلُ
للُقمةِ صباحِ الروايات الفارغة والمُرّة
لتصالُحِ رموشي مع عينيّ
لانتقاء جوزةٍ لعِشوةِ شفاهي؟
لحرارةِ القُبَلِ؟
أيّ خرابةٍ يُعْجِبُكَ؟
كان الأجدرُ بكَ أن تحضرَ
لكنّك لم تحضرَ
فلمْ يكن بعد ذلك
وفي هذه الأيام لا زلتُ نفسي
أرسمُ صورةَ ساعةٍ قديمةٍ
على جذعِ شجرةِ جوزٍ
أوقِفُ عقرَبُها
على عهدِ النزاهةِ
بدوركَ تمرُّ أمامي
جيئةً وذهاباَ
إياباً وذهاباً
كان ما كان
ولم يكن .
القراءة :
المقدمة: قصيدة /الساعة تتوقف مع نبضات فؤادي/ للشاعرة چنور نامق، ترجمة مكرم رشيد الطالباني، تفتح أمامنا مساحة للتأمل في العلاقة بين الزمن والمشاعر الإنسانية، خصوصاً في لحظات الحزن والانتظار. يعكس النص بؤس العزلة وتوقف الزمن في لحظات غياب المحبوب، في وقتٍ يبدو فيه الزمن كعدو للذاكرة والشوق، أو كصديق يخدم الحنين.
1- العنوان والرمزية: العنوان /الساعة تتوقف مع نبضات فؤادي/ يتسم بالدلالة العميقة حيث يرتبط توقف الساعة بنبض القلب، مما يخلق توازناً بين الزمن الداخلي والخارجي. إن التوقف هنا ليس توقفاً فيزيائياً بل هو توقيف معنوي يترجم الحالة النفسية للشاعرة التي تمر بلحظات الانكسار.
2- الأسلوب البلاغي واللغة: القصيدة تنطوي على أسلوب بلاغي غني، يعتمد على الصور الفنية والمجازات القوية التي تنقل مشاعر الشاعرة بطريقة مكثفة. استخدام الشاعرة للكلمات مثل /بؤبؤ زيتونةٍ سوداء/ و/جوزةٌ خدرةٌ لا تقرُّ لها قرار/ يضفي طابعاً تصويرياً بديعاً، حيث تجسد هذه العناصر الطبيعية حالة التردد والتشتت النفسي للشاعرة. الصورة الشعرية هنا تحمل في طياتها عنفوان التوتر الداخلي، كما أن التلاعب بالكلمات يعزز من حالة الضياع والانتظار.
3- الزمن في القصيدة: تدور القصيدة حول مفهوم الزمن، لكن الزمن في هذا السياق ليس مجرد وحدة قياس للأوقات. يتجسد الزمن في القصيدة ككيان يعكس الهواجس العاطفية للشاعرة. فالتوقف المزعوم للساعة ليس إلا تجسيداً لتوقف الحياة في لحظة انتظار فارغة. الشاعرة تذكر أن الساعة /تتوقف ببطء مع نبضات فؤادي/ مما يرمز إلى أن الزمن يتعطل أمام الألم الداخلي الذي تشعر به. هنا، الشاعرة تستخدم الزمن ليس كعنصر مادي بل كأداة تجسد الحزن والانتظار.
4- التكرار ودلالته: التكرار في القصيدة، مثل /تأتي وتمرّ، تمرَ وتأتي/، يعكس حالة من التردد والدوار العقلي. يتكرر الزمن في النص بشكل غير منتهي، مما يشير إلى حالة الجمود والانتظار الممل. هذا التكرار لا يؤدي إلى تغيير أو تقدم، بل يعكس دورة مغلقة لا نهاية لها، في إشارة إلى الثقل الذي يحمله الزمن حين يغيب الحبيب أو الأمل.
5- الهوامش الوجدانية والمجازات: استعمال الشاعرة للمجازات /إلى عهد النزاهة/ و/لإطالة اللقاء/ يعكس رغبتها في التمسك بلحظات الماضي، حين كان الزمن يمر ببطء فقط لكي يطيل من لحظات اللقاء العاطفي. الشاعرة تظهر قلقها وعدم قدرتها على التخلص من هذه الذكريات، مشيرة إلى وجود فجوة بين ما كان وما لم يكن، وهو تناقض يعكس المأساة الداخلية التي تعيشها.
6- العلاقة مع /الحبيب الغائب/: غالباً ما تدور القصيدة حول شخصية غائبة، يكون غيابها محور الألم. الشاعرة تتساءل لماذا لم يحضر الحبيب، وهو سؤال تكرر عدة مرات في النص، وتجد أن غيابه هو ما يؤخر الزمن ويحجبه عن الاستمرار في مسيرته الطبيعية. الحبيب هنا يصبح الكائن الذي له القدرة على /تغيير عقارب الأوقات/ ولكنه غائب عن المشهد.
7- الختام والمغزى الفلسفي: القصيدة تتسم بنوع من النهاية المفتوحة والتأملية، حيث تختتم الشاعرة برسم /صورة ساعة قديمة/، مما يعود بالقارئ إلى فكرة الزمن المفقود والمستمر في التغيير. وعلى الرغم من أن الساعة تتوقف، إلا أن الشاعرة تسعى لإيقاف الزمن في لحظة /عهد النزاهة/، التي قد تكون تمثيلًا للذكريات أو لحظات الطهر.
الخاتمة: القصيدة تطرح أسئلة فلسفية حول معنى الزمن والحضور الغائب في حياتنا. من خلال الأسلوب البلاغي والصور الشعرية الغنية، تتجلى مشاعر الحزن والعزلة في كل سطر، مما يعكس القوة الداخلية للشاعرة في التعبير عن واقع وجودي متناقض بين الماضي والحاضر، بين الغياب والحضور.

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي