
مدار الزمان… أنين العطش المقدّس
جاء القمر محمّلًا بسرِّ الغياب، يتلألأ سكر الوداع في جفونه. ونحن، نعيد ترتيب الأسئلة الكبرى على مائدة الفجر، نفرشها بالانتظار ونتهجّى ملامحنا بين ظلال الشكِّ واليقين: من نحن خلف هذه الأشباح التي تصوم عن الظلال؟ أيّ وجوه تبقى حين تخلع الأرواح أثقالها وتعبر الضوء نحو ظلّها الأول؟
كلنا ذرةُ وجود تتأرجح بين الماء والنار، نقف على حافة العدم والتجلّي، نشرب المساء كأننا نغسل عن أرواحنا أوجاع الأعوام، نذيب الزمن في كفّ الصمت لنرى وجوهنا العارية.
رمضان: طقسُ الزمان المنصهر
رمضان… طقسٌ يذوب فيه حديد الوقت، حيث تنساب الأرواح كالندى على أوراق الليل، وتنكسر الأنفاس على عتبات السماء. الصوم ليس امتناعًا… بل تحررٌ من ثقل الجسد، حيث تخرج الروح عارية من صخب الحواس، والجوع استدعاء لصوتٍ قديم: للّحظة التي كان العالم فيها فكرة تتخلّق في رحم العدم، والنور يبحث عن مرآة في ظلمة البدء.
وقفة على مذبح الأزل
الزمن هنا يُصلّي على جبين المتنبّي، والنجم يتنزّل كالوحي على جبهة الغيم. كل لحظة ترتّل صمتها على مذبح السرّ، وأنت… يا من تمشي حافيًا في مذاهب الروح، هل تسمع صدى الأبد يرتعش في كأس الإفطار؟ كل امتلاءٍ نذيرُ عطش، وكل لذّة حجابٌ عن لذّةٍ أعمق. الجوع في أصله عطشٌ لما لا ينضب، والصمتُ نبوءة تدقّ في أعماق الكون.
رمضان: المرآةُ والأحجية
رمضان… مرآة ترى فيها أنك قطعةٌ من الليل، وأن نورك لا يظهر إلا حين تعترف بأنك ظلٌّ لوجه الأبد. الفقدان ليس إلا ولادة من جهةٍ أخرى، حيث تذوب الحدود بينك وبين صمت الرحمن، وحينها… تكتشف أنك لم تُدرك وجودك إلا حين اختفيت.
نازك الخنيزي
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي