قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (اضغاث عشق)– للشاعر : عبد الكريم السعيد- العراق.
بقلم:كریم عبدالله
قصيدة “اضغاث عشق” للشاعر عبد الكريم السعيد تعكس حالة من الحب المتأجج والمستحيل، وتعبر عن محاكاة لآلية العشق والتداخل بين الأضواء والظلال، وبين النهار والليل، كما تمتزج فيها عناصر الطبيعة بصور شعرية مكثفة ورمزية. من خلال هذه القصيدة، يمكن استكشاف بعض الأبعاد الأسلوبية واللغوية التي تميز أسلوب الشاعر:
- الصور البلاغية والتشبيه:
الشاعر يستعمل أسلوب التشبيه بكثرة، مثل “نجومه حمراء، كالجمر”، أو “كأنها قلائد ياقوت”، هذه الصورة تمثل التوهج والتوهّم في العشق، كما أن الشاعر يدمج هذه الصور مع عناصر الطبيعة: القمر والشمس والليل، ليبني عالماً تخيلياً يبرز فيه التوتر بين الأزمنة والأشياء. التشبيه هنا ليس فقط أداة لتوضيح الفكرة، بل هي وسيلة لخلق علاقة حميمية بين المكونات الطبيعية وبين المشاعر الإنسانية، مثل العلاقة بين الشمس والقمر. - التضاد والتوازي:
يظهر التضاد بين الليل والنهار، وبين القمر والشمس، حيث يُجسد الليل في القصيدة “كالأفعى، يترنح مهزوماً” في مقابل الشمس المغرمة التي تسعى للانتشار. هذا التوتر بين المكونات يضفي على القصيدة طابعاً درامياً ويعكس الصراع الداخلي بين المشاعر المتضاربة. فالشاعر يستخدم هذا التضاد ليصور الصراع بين القوة والضعف، الحب والهزيمة. - الحركة والمكان:
القصيدة تشهد حركة مستمرة في الزمان والمكان، مثل انسياب الليل “كالأفعى” أو “تتواري الشمس خلف ضفائر أمواج الليل”. هنا يُستخدم الفعل للربط بين الفكرة والمشهد الطبيعي، مما يعطي انطباعاً بأن الكون كله يتحرك تحت وطأة العاطفة والشعور بالحلم والمستحيل. - الرؤيا والرمزية:
الرؤيا تعتبر من العناصر الرئيسة في النص، حيث يرى الشاعر القمر هزيلاً ويتوكأ على شعاعه، مما قد يكون رمزاً للضعف أو الشعور بالعجز. يظل القمر في القصيدة رمزاً للحلم والعشق المفقود، ولكن في نفس الوقت هو علامة على الأمل الذي يسعى للوصول رغم الاستحالة. - اللغة والتركيب:
اللغة في القصيدة شعرية غنية ومكثفة، حيث استخدم الشاعر تراكيب لغوية ذات إيقاع خاص، مثل “تتساقط على خديه”، “تغازله بشعاع الصبح”، و”تنبلج العشق ضياء”. هذه التركيبة تعكس في ذاتها حالة من الاضطراب العاطفي والبحث المستمر عن العشق والحب في عالم غير مستقر. تُضاف إلى ذلك التوظيف المكثف للرمزية، مما يجعل القصيدة تنطوي على بعد فلسفي في تعبيرها عن الحب المستحيل والمأساوي. - العنوان:
العنوان “اضغاث عشق” يعكس الموضوع المركزي للقصيدة: العشق الذي لا يحمل واقعية أو أمل. “اضغاث” تشير إلى الخيالات أو الرؤى الضبابية، ما يرمز إلى أن الحب في هذه القصيدة مجرد صورة ضبابية أو حلم بعيد المنال. هذه الفكرة تتجلى في تحذير العراف في نهاية القصيدة، الذي ينبه إلى أن العشق لا يمكن أن يُؤمل في مثل هذه الحالة. - الختام والرسالة:
في نهاية القصيدة، يقدم الشاعر تحذيراً يتسم بالحكمة العميقة: “لا تقصص رؤياك على قلبك”، مما يعكس شعوراً بالألم والخذلان الناتج عن العشق الذي لا يتحقق. الرسالة هي دعوة للابتعاد عن الهوس بالعشق المستحيل، فقد يصبح ذلك فخاً يأخذ الإنسان بعيداً عن الواقع.
خلاصة:
القصيدة تسلط الضوء على التوتر بين الخيال والواقع، والتضاد بين الحب المستحيل والعشق الذي لا يزول. بفضل استخدامه للأسلوب البلاغي المكثف والتشبيهات المبتكرة، استطاع الشاعر عبد الكريم السعيد أن يعبر عن تجربة العشق بشكل رمزي ومعقد، مما يمنح القصيدة طابعاً شاعرياً استثنائياً.
القصيدة :
اضغاث عشق
ذات حلم ، رأيت القمر هزيلا، يتوكأ على خيوط شعاعه، يفترش الليل وسادة ، نجومه حمراء ، كالجمر ، تتساقط على خديه ، كأنها قلائد ياقوت ، تتلألأ في جيد عروس ، والشمس مغرمة إلى حد الثمالة في عشق القمر ، تتوارى خجلا ، خلف ضفائر امواج الليل ، تصوغ الضوء قصائدا ، تغازله بشعاع الصبح ، فانبلج العشق ضياءً ، و انساب الليل بعيدا، كالأفعى ، يترنح مهزوما ، خلف الأضواء ، يحذرني عراف العشق ، لا تقصص رؤياك على قلبك ، فتسقط صريعا ، في عشق الشمس ، فشمسك تجري في فلك آخر ، لن تشرق يوما في قلبك ،وليلك كابوس مارد ، يجثم على صدر الصبح ، ولن يرحل …

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي