في عالمٍ تلتقي فيه الكلمة بالقلب، نجد أسماءً لامعة تكتب من نبضها ما يُلامس أرواحنا، ومن بينهم الشاعرة والصحفية اللبنانية رانية زين مرعي، التي تُعدُّ نموذجًا للمرأة المبدعة التي تجمع بين شغف الأدب ودقة الصحافة. من قرية مشغرة الجميلة في لبنان، بدأت رانية مسيرتها في فضاء الأدب، لتثبت أنها ليست مجرد شاعرة تقف على منصة الحروف، بل هي صوتٌ يحمل قضايا الإنسان والوطن، وينقلها إلى القلوب بشغف.
تعرفت عليها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ثم كانت معي منذ تأسيس ملتقى الشعراء العرب ثم جاء لقائي الأول بها في معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث التقيتها برفقة والدها، الرجل الناصري المثقف، الذي تحدث بشغف عن دور الكلمة في التغيير وعن إرثه الفكري الذي زرعه في ابنته. حينها، لم يكن صعبًا أن ألاحظ كيف ألهمت أجواء هذا البيت الثقافي توجهات رانية الأدبية والقومية وجعلتها شاعرة تحمل مسؤولية الكلمة بكل صدق.
رانية مرعي اليوم ليست فقط شاعرة أصدرت كتبًا مثل “خطًى من ياسمين” و“ترانيم روحية”، بل هي أيضًا صحفية نشيطة تسعى دائمًا للتطور، تُعد وتُقدم برنامج “أدباء وشعراء”، وتلتقي كبار الكُتّاب والمثقفين العرب. عبر هذا الحوار، نسلّط الضوء على جديدها الأدبي “ترانيم روحية”، وعلى مسيرتها التي تنبض بالتحدي والطموح.
رئيس التحرير
ناصر رمضان عبد الحميد
حوار مع الشاعرة رانية زين مرعي
حاورتها من لبنان ملاك علي
- بدايةً، حدّثينا عن “ترانيم روحية”، كيف وُلدت فكرة هذا الكتاب وما الرسالة التي أردتِ إيصالها من خلاله؟
كتاب ترانيم روحية كتاب يخاطب الروح قبل كل شيء ، يحاكي كل ما يمرّ في بالنا ولو صدفةً. إنّه باختصار الكلام الذي يجول في بال الكثيرين وقد لا يجرؤون على الإفصاح عنه . أمّا أنا ، فجاهرتُ به لإيماني بكلّ كلمة فيه .
ولدت فكرة الكتاب من تراكم الأفكار في داخلي والتساؤلات فوجدتني أطلق العنان لها فعانقت الكثيرين .
- ما الذي يميز “ترانيم روحية” عن إصداراتك السابقة؟ وهل يمكن اعتباره تحوّلًا في مسيرتك الأدبية؟
يميّزه أنه يسلّط الضوء على رغبات مكنونة في داخل النفس البشرية ، القليل منها يبصر النور والكثير يضيع بين الصمت والجبن وفقدان الهويّة والذوبان في الآخر جبنًا أو استسلامًا للتبعيّة.
كلّ كتاب أصدره ، فيه تحوّل لأني أطرح أفكارًا جديدة سواء كانت شعرًا أو نثرًا ، وكلّ كتاب أضمّنه رسالة أسعى أن تلامس عقول وقلوب القرّاء .
- العبارة المتكررة “لو كنت” تحمل أبعادًا رمزية متعددة، كيف وظّفتِ هذا التكرار لخدمة النصوص؟
هذه العبارة لجأت إليها لأني لاحظت التخبّط الذي يعيشه الكثيرون عندما يتنكّرون لشخصياتهم ويسعون أن يكونوا الآخر ليعبروا سجن الجسد ويحققوا أحلامهم . بعد كلّ مرة كتبت “لو كنت ” صرّحت بما يتمناه الإنسان وما يرغب أن يكوّنه خارج نفسه والتي بالمناسبة لو اجتهد في البحث لوجدها في داخله .
- كيف ترين العلاقة بين الحب والوطن في نصوص “ترانيم روحية”؟ وهل تعكس النصوص تجربة شخصية أم هي إسقاط على الواقع العام؟
لا يكتب الكاتب والشاعر من فراغ ، ولا تصدّقي مبدأ الحياد هنا . دائمًا هناك شيء منّا في كتاباتنا وان اختبأنا في التعميم . وترانيم روحية هو أنا وأنتِ وكلّ نفس تبحث عن الحقيقة .
الحب والوطن هما الانتماء الحقيقي الذي يتمحور حولهما موضوع الكتاب . فكلّ أمنية هي للدفاع عن الحب والوطن اللذان يتكاملان بشدّة ، فالحب وطن والوطن هو الحبّ المقدّس .
- النصوص في الكتاب تحمل طابعًا روحيًا وعاطفيًا عميقًا. إلى أي مدى تعتقدين أن الأدب يمكنه أن يساهم في التغيير الاجتماعي والإنساني؟
الوظيفة الأهم للأدب هي القيام بهذا التغيير وإلّا سيكون كلامًا من أجل الكلام ، كلامًا استعراضيًّا لا يفيد ولا يُغني.
فالكلمة المسؤولة قادرة على صنع المعجزات ويجب أن ندافع عنها في زمن التفاهات هذا حيث يتصدّر المنافقون والمنافقات المشهد زورًا .
- أطلقتِ الكتاب في القاهرة ووقّعتِه هناك. كيف كان تفاعل الجمهور المصري مع كتابك؟ وهل لاحظتِ اختلافًا في تلقيه بين الجمهور اللبناني والعربي؟
الجمهور المصريّ مثقّف ويحتضن ضيوفه برقيّ وإتقان . دخلت من باب دار اسكرايب بالتعاون مع الشاعر والناقد ناصر رمضان وكان لي لقاءات مع مثقفين وروّاد معرض الكتاب وكانت تجربة غنيّة .
لا يوجد اختلاف بين الجمهورين بل سأقول المثقف في كلّ مكان يعرف كيف يتفاعل مع الكلمة لأنّه يقدّرها ويفهمها كما يجب .
ومن خلالك أوجّه أسمى التحايا لمصر الغالية وشعبها العزيز .
- ذكرتِ أن بعض قصائدك تُرجمت إلى لغات عالمية. كيف ترين تأثير الترجمة على وصول رسالتك إلى ثقافات أخرى؟
لا شكّ أنّ الترجمة تساهم في إيصال الفكرة إلى القارئ الغربي والعربي المغترب ، وهذا يساهم في عمليّة التّواصل مع الجاليات العربية ومع أهل البلاد فيحصل هذا التلاقح الفكري الذي يقوّي لغة الحوار .
- فزتِ بجوائز أدبية عديدة وتُوّجتِ بألقاب مميزة مثل “شاعرة الحب” و”حفيدة عليسة”. كيف تنظرين إلى هذه التكريمات؟ وهل تشكّل دافعًا للاستمرار أم عبئًا يفرض عليكِ سقفًا معينًا من التوقعات؟
هذه الألقاب هي عربون حب من كل شخص خصّني بها وأعتزّ بها كثيرًا .وكذلك الجوائز هي حصاد عمل صادق ودؤوب . هذه المحطات تحفّز على العطاء والاستمرار طبعًا لكنّها لا يجب أن تتحوّلَ إلى هدف ، لأنّها ستصير سجنًا وهاجسًا ، وسباقًا قد يؤثّر على عملية الإبداع فيدخلها بازار الإنتاج غير المدروس .
- كيف تؤثر تجربتك الطويلة في التعليم والتنسيق اللغوي على أسلوبك الأدبي؟ وهل هناك تقاطعات بين العمل الأكاديمي والإبداع الشعري لديك؟
الإبداع السّعري فطرة موجودة في داخلي ، عبّرت بالكلمة عن الكثير من المشاعر والمواضيع قبل خوض مهنة التعليم التي لا شكّ ساهمت في تنسيق الشكل والابتعاد عن الأخطاء وعزّزت الانفتاح على المعاني .
- لديكِ علاقات أدبية واسعة وشاركتِ في أمسيات وندوات عديدة. كيف تصفين علاقتك مع الوسط الثقافي العربي؟
أعتزّ كثيرًا بعلاقتي مع الوسط الثقافي العربي ، فأنا شاركت ودُعيت إلى الكثير من الفعاليات والمهرجانات والندوات واللقاءات وكلّها تركت عندي وعند الجمهور العربي بصمة حب وامتنان لأن التقدير الذي يحصده الفرد منّا هو هذا الوسام الذي لا يُقدّر بثمن .
- بالنسبة إلى الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد، ماذا تعني لكِ تجربته الشعرية؟ وكيف تصفين تأثيرها على الأدب العربي المعاصر؟
الشاعر ناصر رمضان شاعر نشيط بكلّ معنى الكلمة وغزير الإنتاج وهذا يدلّ على ثقافة واسعة واطّلاع عميق مما يضعه في صدارة المشهد الثقافي وتجربته محفّزة للكثيرين . وأنا أعتقد جازمة أن مسيرة كمسيرته ستساهم في إغناء المكتبة الأدبية العربيّة .
- هل نترقب تعاونًا أدبيًا أو مشروعًا مشتركًا بينكِ وبين الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد في المستقبل؟
كتاب ترانيم روحية لن يكون التعاون الأخير وإن شاء الله يتجدّد .
13-ماذا عن المنتديات عبر السوشيال ميديا
وكيف ترين ملتقى الشعراء العرب ومجلة أزهار الحرف بعد أعوام من انطلاقها؟
منتديات منصات التواصل الاجتماعي لا تختلف عن الواقع ، فهذا الفضاء المفتوح قرّب المسافات وخلق ترابطًا بين المثقفين في مختلف الأقطار .
وبالنسبة لملتقي الشعراء العرب ومجلة أزهار الحرف فأحيي الجهود المباركة التي تُبذل وأتمنى لهما المزيد من الإبداع والعطاء والتميّز .
- أخيرًا، ما الرسالة التي توجّهينها إلى القرّاء عبر “ترانيم روحية”؟ وما الأمل الذي تتمنين تحقيقه من خلال أدبك؟
الرسالة الأهم هي أن نفخر بأنفسنا وألّا يسعى أحد ليكون نسخة عن غيره والثورة الحقيقة هي في دواخلنا لأنّها ستحقّق المعجزات .
وأملي بعالم يسوده الحب الصادق الذي يذيب جليد المصالح والبغضاء والنّفاق وصنّاع الفتن ووساوس المدّعين .
أشكرك عزيزتي على هذا اللقاء الراقي كما أًوجّه ألتحايا العطرة لمجلة أزهار الحرف ولرئيس التحرير الشاعر ناصر رمضان .
دمتم بألق ..
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي