
همس الوجود في زمن الشاشات
: بين الوحدة والانتشار
في عصر تتناثر فيه الإشعارات كنجوم تسقط من سماء مشقوقة، نغرق في نهر من البيانات، نسكب أحلامنا في أكوام رقمية، وننسى أن القلوب لها لغة تسكت عنها الألفاظ.
الشاشات الباردة تحملنا إلى عالم مصنوع من الظل والمراء، حيث تصير الضحكة إيموجي، والعناق ميم، والحب رمز في لائحة منسية.
خلف هذه الأجهزة، تختبئ أسئلة وجدانية: هل نحن أكثر اتصالاً أم أكثر تشتتاً؟ لقد صرنا كالسفينة التي تبحث عن بر في محيط من الأرقام، نحمل في جيوبنا خرائط الوجود، ولكننا نفقد الاتجاه.
التكنولوجيا لم تبعدنا عن بعضنا فقط، بل حولتنا إلى أرواح تتجول في متحف الذاكرة: كل واحد منا يمسك بمشعله، يضيء زاوية صغيرة من سراديب الوحدة، بينما تبقى القلوب معتمة.
العناق الحقيقي صار كالنبع في الصحراء: نعلم أنه موجود، ولكننا نشرب من سحب افتراضية. حتى الصمت صار ضجيجاً بلا معنى، فالكلمات تطير كالعصافير المرهونة بخطوط الوايفاي.
لكن في أعماق هذا الفضاء المعتم، يبقى همس الوجود ينتظر: لحظة تخرج فيها الأرواح من أقفاصها الرقمية، تمشي على ماء الوقت الحقيقي، وتسقط كالندى على أوراق القلوب العطشى.
السؤال الفلسفي: هل نستطيع أن نكون أكثر من مجرد بيانات تطير بين الشبكات؟ أم أننا ننساق كالحطام في نهر العصر، نحمل أسماءنا كأرقام، ونسكب أحلامنا في أوعية لا تعرف العطف؟
الحل الجذري: لنكسرن قيود الخوارزم الرقمي، ونبني جسوراً من لغة العيون والأيدي، حيث الكلمة تولد من صمت يفهمه القلب دون ترجمة. فالوجود ليس وهماً نشاهده، بل لحن نعيشه.. قبل أن تأكله الخطوط البيضاء على الشاشة.
خاتمة مشعة: لنكن نجوم حقيقية في ليل هذا العصر، لا ننسى أن الضوء يبدأ من الداخل، وأن القلب هو الشبكة الوحيدة التي لا تنكسر.
✍🏻 نازك الخنيزي
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي