“بدون مقدمات”: قراءة في خطاب الذات والواقع المتشظي
بقلم: وفاء داري كاتبة وباحثة – فلسطين
يُعتبر كتاب “بدون مقدمات”، والذي يقع في 229 صفحة من القطع المتوسط. عبارة عن مجموعة من المقالات والنصوص النثرية التي تتناول مواضيع متنوعة، تحاكي واقع الكاتب في فلسطين والتي ليست ببعيدة عن واقع مختلف البلدان العربية. والتي تتراوح بين الذات والتفكير الفلسفي، والواقع الاجتماعي والسياسي، والعلاقات الإنسانية. يتميز الكتاب بأسلوب مباشر وصريح، يعكس رؤية الكاتب النقدية للعالم من حوله. يمكن تصنيف الكتاب على أنه يندرج ضمن الأدب النثري، وتحديداً في خانة المقالات الفكرية والنصوص النثرية الفلسفية. يجمع الكتاب بين عناصر السيرة الذاتية والتأملات الفلسفية والاجتماعية، مما يجعله نصاً متعدد الأبعاد. يتسم النمط العام للكتابة بالتنوع والمرونة، حيث يتنقل الكاتب بين الأسلوب التحليلي والتأملي والسردي. يعكس هذا التنوع ثراء تجربة الكاتب وتعدد اهتماماته. يتضمن الكتاب عناصر من السيرة الذاتية والتأملات الشخصية، إلا أنه يتجاوز نطاق اليوميات ليدخل في مجال المقالات الفكرية والنصوص النثرية الفلسفية. بشكل عام، يمكن اعتبار كتاب “بدون مقدمات” نوعاً من الأدب النثري الذي يجمع بين عناصر السيرة الذاتية والتأملات الفلسفية والمقالات الفكرية. وهو بذلك يختلف عن اليوميات التقليدية في تركيزه على الأفكار والتحليلات النقدية.
سينمائية العنوان واللقطة السريعة: يشبه العنوان لقطة سينمائية سريعة، حيث يدخل المشاهد مباشرة في الحدث دون تمهيد. يعكس إيقاعاً سريعاً ومتلاحقاً، مما يجعله مناسباً للعصر الحديث الذي يتسم بالسرعة. يتميز بالمشهد المفاجئ، يشبه العنوان مشهداً سينمائياً مفاجئاً، حيث يباغت المشاهد ويثير دهشته، حيث ينتقل المشاهد فجأة من مشهد إلى آخر. يعكس العنوان رغبة الكاتب في خلق تأثير قوي ومباشر على القارئ. يمكن القول إن عنوان “بدون مقدمات” يتسم بدلالة عميقة وسينمائية واضحة، مما يجعله عنواناً جذاباً ومثيراً للاهتمام. يستهدف الكتاب القراء المهتمين بالأدب الفكري والفلسفي، والذين يبحثون عن قراءة نقدية للواقع والمجتمع. يختصر العنوان رسالة الكتاب في عبارة موجزة، مما يجعله سهل التذكر والتداول. يتحدى العنوان توقعات القارئ، حيث اعتاد على وجود مقدمات تمهد للدخول في الموضوع.
الأسلوب الأدبي والرسائل
يتميز أسلوب أيمن جبارة بالوضوح والمباشرة داخل النص، مع استخدام مكثف للغة المجازية والرمزية. اعتمد في عنونه النصوص التي يتضمنها الكتاب على أسلوب الاختصار والتكثيف، مما يجعله بمثابة مفتاح لفهم النص، تثير عناوين النصوص والتي تقارب 228 نص، فضول القارئ ويدفعه إلى استكشاف ما يخبئه النص. تقنية النصوص كانت مفعمة بعنصر التشويق والإثارة، وبالتحدي، والتجاوز الاختصار، والتكثيف. أبرز ما تميز أسلوب الكاتب وأبدع من خلاله بأسلوب حداثي شيق جعل في نهاية أغلب النصوص طرفة، لخفض التراجيديا التي ربما ارتفعت مستوياتها في بعض النصوص. طريقة موفقة من الكاتب لكسر جمود بعض المواضيع المطروحة وخاصة في طرح القضايا الشائكة والظواهر الاجتماعية في المجتمع. والذي يجعل القارئ بعد الابتسامة في نهابة النص أن يقول: “شر البلية ما يضحك”. ومن محور اخر اعتمد الكاتب على تقنيات السرد والتأمل، مما يجعل النصوص قريبة من القارئ ومحفزة للتفكير. يستخدم الكاتب لغة مجازية ورمزية مكثفة، مما يتجاوز الأسلوب المباشر لليوميات. بحيث يعتمد على تقنيات السرد والتأمل، مما يجعله نصاً أدبياً متكاملاً. كذلك يغلب على النصوص الطابع الفكري والفلسفي حيث يركز الكتاب على استكشاف الأفكار الفلسفية والاجتماعية، وليس فقط على تسجيل الأحداث اليومية. كما يتضمن الكتاب تحليلات نقدية للواقع والمجتمع، مما يجعله أقرب إلى المقالات الفكرية. يعكس رغبة الكاتب في تجاوز القوالب النمطية والتحرر من القيود.
جماليات السرد: يعتمد الكتاب على تقنيات السرد غير الخطي، مما يتيح للقارئ استكشاف النصوص بطرق مختلفة. يستخدم الكاتب اللغة بشكل مكثف لخلق صور ذهنية قوية ومؤثرة. حيث يتميز الكتاب بالجرأة في طرح الأفكار والتعبير عن الآراء، مما يجعله نصاً مثيراً للتفكير والجدل.
العمل في سياق الفلسفة النقدية المعاصرة: يمكن وضع الكتاب في سياق الفلسفة النقدية المعاصرة من خلال تركيزه على نقد السلطة والمجتمع، واستكشاف الذات في عالم متغير. يعكس الكتاب اهتماماً بقضايا الهوية والوجود والمعنى، وهي قضايا أساسية في الفلسفة النقدية المعاصرة. ويمكن اعتبار الكتاب نوع من أنواع أدب الاعتراف المعاصر الذي يتماشى مع فلسفة ميشيل فوكو في تحليل الخطاب والسلطة.
الهدف والرسالة: يهدف الكتاب إلى إثارة التفكير النقدي لدى القارئ، وليس فقط إلى تسجيل الأحداث الشخصية. حيث يحمل الكتاب رسائل متعددة حول الذات والمجتمع والوجود، مما يجعله نصاً ذا طابع فكري. حاول تعرية عدة ظواهر مجتمعية مثل قضية (المسنين)، مما جاء في نص “هرمنا” 18 ص، وشعورهم بالوحدة والاغتراب، وانشغال الأبناء والاحفاد بالجوال والتطبيقات ووسائل التواصل. ومن القضايا المهمة والشائعة ايضًا (العقوق) كما ورد في نص “عندما يبكي الرجال” ص 50، في وصف مشاعر الإباء ومعاناتهم من عقوق وتطاول الأبناء عليهم. ومن القضايا التي تناولتها النصوص ايضًا قضية التسول ص25، افه أصبحت متفشية في المجتمعات. كذلك ثقافة العيب ص 49. العنف وقطاع الطرق ص 38 من تأثير البرامج والمسلسلات وألاشكن وغيرها من سلبيات تنعكس على تربية الأبناء والتأثير في تفكيرهم وسلوكهم لدرجة الاجرام. وكذلك رسائل قيميّة وتوعوية كما في نص “المفسدون في الأرض”
ومن جانب اخر تناولت كثير من النصوص الواقع الفلسطيني في سردية تدمج بين السخرية والفكاهة، والواقع المرير للشعب الفلسطيني وما يكابده، ومنها قضية التمسك بالثقافة الفلسطينية، والتراث الهوية والموروث الشعبي الفلسطيني الأصيل كما في نص “ستي صالحة” ص 53. وقضايا أخلاقية كما في نص “يستغربون ” ص 28 في الكشف عن الفرق بين الثقافة العربية الاصيلة والثقافة الغربية، من الانتماء، والشهامة، والنخوة، والمروءة.
من محور أخير: بالتأكيد، على الرغم من القيمة الأدبية والفكرية لكتاب “بدون مقدمات”، الا انه هناك بعض الملاحظات لتحسين تجربة الكاتب والتي يمكن أن تؤثر على تجربة القارئ: الغموض والرمزية الزائدة: قد يجد بعض القراء صعوبة في فهم بعض النصوص بسبب استخدام الكاتب للغة رمزية ومجازية مكثفة. التنوع المفرط في المواضيع: قد يفتقد الكتاب إلى التماسك والوحدة الموضوعية بسبب هذا التنوع. الذاتية المفرطة: يعتمد الكتاب بشكل كبير على وجهات نظر الكاتب وتجاربه الشخصية. و(إشكالية الموضوعية) قد يجد بعض القراء صعوبة في تقبل وجهات نظر الاخر إذا كانت تتعارض مع قناعاتهم. التسلسل منطقي: قد يفتقد الكتاب إلى التسلسل المنطقي في عرض الأفكار، مما قد يجعل بعض القراء يشعرون بالارتباك. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هذه الملاحظات قد لا تكون موجودة عند جميع القراء، حيث يعتمد تقييم الكتاب على الذوق الشخصي والتفضيلات القرائية.
ختاما: يتميز الكتاب بالعمق الفكري والجرأة في طرح الأفكار، مما يجعله إضافة قيمة للأدب العربي المعاصر. وقد يجد بعض القراء صعوبة في التعامل مع الأسلوب المكثف واللغة الرمزية. يثير الكتاب تساؤلات مهمة حول الواقع والمجتمع والذات، مما يجعله نصاً محفزاً للتفكير والنقاش. والتأكيد على أهمية التفكير النقدي والتساؤل المستمر. ودعوة إلى مواجهة الواقع بشجاعة وصدق. واستكشاف الذات والبحث عن المعنى في واقع مضطرب. كذلك نقد الواقع الاجتماعي والسياسي.

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي