سردية النص مرثية حال الشاعر
في نص ” قارّات الأوبئة ” ١٩٩٥لفوزي كريم
مؤيدعليوي
من آخر النص في سرديته الطويلة كما عبّر عنها فوزي كريم (قصيدة طويلة ) مع عنوانه فهي من ص٩٨ الى ص ١١٢، من القطع الوسط فوزي كريم يرثي حال الشاعر من خلال توظيفه ضمائر المتكلم المعبرة عن الشاعر بألم حاجة مَن يريد أن يبقى حيّاً يعيش في تلك الظروف، وبألم العوز حينها لمَن بقي حيّا، و ما اقصده بالشاعر هنا هي سمة مَن يخالف النظام السياسي عند اغلب الانظمة العربية خاصة في العراق الامس وبعض الفسحة الديمقراطية اليوم ، ولكنهم ليسوا الشاعر فوزي كريم الذي أمتلك أدواته الشعرية ومقدرة راسخة على التعبير الفني شعرا (ولم ينسه في منفاه تفاصيل البلاد وطبيعة الحياة في المدن العراقية وخصوصا مدينة بغداد وشخصياتها وحاراتها وازقتها التي أطلق فيها جنونا من حجر أخذه الى حلم حرية استطاع من خلالها أن يكرس صوته المهم بجدارة في الشعرية العربية ) المصدر ظهر المجموعة الشعرية، سلسلة ماس القصائد ، مختارات فوزي كريم ، طبعة الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ٢٠٢٤ .
فمِن آخر النص الذي يشير الى نهاية نظام سياسي بسخرية كبيرة عندما يختم فوزي كريم نصه الشعري بعبارة( نموت ويحيا الوطن ) مكررا ايها خمسة عشر مرة بطريقة فنية عندما يقول : ( نموت ويحيا الوطن . تئزّ الشمس كأسلاك/ فوق الرايات . نموت ويحيا الوطن) يعيد العبارة ذاتها أربعة عشر مرة كأنه يقرأ سبعة لافتات لكل لافتة مكتوب فوقها تلك العبارة مرتين، اذ هذه السخرية الكبيرة بعد هذا التكرار عندما يأتي هذا المقطع الاخير المكمل للمعنى : ( تئزّ الشمسُ ، يئزّ غبار الشمس/ يشد الطفلُ حذاء النجدي المشنوق ، يشد الطفل ،/ فتطول الرقبة والحبل ، / ويطول الليل ) اذ فالجندي في النص لا يمثل شخصه بل يمثل نظاما سياسيا فهو جندي يتبع تعليمات عسكرية خاضعة للنظام السياسي، والسخرية تكمن في آخر كلمة من النص برمته (ويطول الليل) ، فبعد المعاناة التي مر بها الموطن الشاعر منذ بداية النص، وفي اغلب نهايات الانظمة السياسية العربية تكن مفرحة في البدايات لمن يرجو خيرا لبلاده بعد كل تغيير، لكنها تنتهي ب(ويطول الليل)، مثلما فوزي كريم يريد وطنا احلى وأجمل واكثر نقاء وافسح أفقا ديمقراطيا من الواقع اليومي ..
أما بداية سردية النص الشعرية فتبدأ بمرثية الشاعر اقصد المواطن المختلف مع النظام ، بالعوز من خلال التشبيه في أول سطرين: ( قنوات تخفرها الامطار/ ومنعطفات متراصة كأقراص الخبز ) فالتشبيه بأقراص الخبز لها دلالة عوز الواقع اليومي للخبز على الرغم من خيرات البلاد فالإمطار يأتي بعدها ربيع وخضرة وسنابل الحنطة والشعير مع مياه وفرة النهرين وقت ذاك، لكن الخيرات ليست بيد العراقيين، وليس ذلك حسب بل ( شبابيك متهرئةٌ كالمناجل / أبواب تكتم أنفاسها امام طارق الليل ) فعندما يتحول طارق الليل الى خطر يداهم الناس في بيوتهم بمعنى صارت الشبابيك المناجل أدوات للقتل، فمنذ بداية النص يرى فوزي كريم أن هذا حال المواطن الشاعر المختلف مع النظام السياسي، فهي كانت معاناة يومية ، أما من يريد أن يعيش تحت مظلة النظام السياسي س أو النظام السياسي ص في زمان ومكان من المنطقة العربية فإن فوزي كريم يعذره ( أخي معذور ، حين لاحق ولعي بالاشياء ، فيغضب ،/ وامي ، حين تلاحق وجعي من وهمٍ لا يتحقق) فهو يعذر أخيه وأمه في المكان بيتهم الاليف ثم ينطلق الى الحارة ثم البلاد بأسرها، كما يعذر بالجملة جيرانه : (معذورون / فتاة الجار ، وفتيان الحلم المنهار، / بفعل الثورة / معذورون / سخام الوجه نذير لا ينفك يشي بالليل الأليل / بالأيام لها شكل الاسلاك الشائكة/ … / معذور( فتاح الفال) يجس الحلمة )، ثم نلحظ مما تقدم من مقاطع النص ، ضمير المتكلم في اغلبها مما يشير الى اتصال الشاعر فوزي كريم بيوميات العراقيين، فمن حيث يقرأ النص أو يتلاقه وقد عاش حقبة سياسية معينة الان أو مِن قبلُ ،يجد حاجته فيه اما معذورا عند فوزي كريم أو الآخر الشاعر أنه يريد يعيش حيا بعقله وطريقة تفكيره وأن اختلف مع النظام السياسي وتقاليده واعرافه، ويعيش دون عوز من خيرات بلاده ،وفي خصوصية العراق ارضا وتاريخا سياسيا وحروبا نرى صوت المتكلم في سرديته الشعرية من النص الطويل، من خلال ياء المتكلم ( في ذاك اليوم ولدتُ. ابي يحتاط من الفيضان / وامي في الغيبوبة/ والحرب الكبرى توشك ان تتوقف/ فوق الواسع للزمن المتردي./ نحن الحمقى كنا نكبر دون محاذرةٍ ،…)فنلحظ ضمير المتكلم تغير من تاء الفاعل في( ولدتُ) الى ياء المتكلم ( أبي وأمي)، الى الضمير المنفصل( نحن الحمقى )، وجميعها تشير الى الحاضر بمعنى حضور صوت المتكلم عبر تأريخية النص مع استمرار الحاضر عند القراءة للنص حتى ينتهي النص بسرديته الى اخر الحروب في العراق -الحرب ضد داعش -عندما تتأمل جنديا عراقيا ( تئزّ الشمسُ ، يئزّ غبار الشمس/ يشد الطفلُ حذاء النجدي المشنوق ، يشد الطفل ،/ فتطول الرقبة والحبل) ..

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي