بقلم وفاء داري: كاتبة وباحثة من فلسطين
قراءة تحليلية في ضوء مجموعة قصصية بعنوان: (في ظل الشجرة)
“في ظل الشجرة”: مرثية للألم الإنساني في الأدب العربي الحديث
تمثل مجموعة “في ظل الشجرة” للكاتبة عبير سعد الصادرة عن دار الزيات للنشر والتوزيع في جمهورية مصر العربية، والتي تقع في 102 صفحة من القطع المتوسط، إضافة نوعية للأدب القصصي العربي الحديث. تتكون المجموعة من اثنتي عشرة قصة قصيرة، تتناول كل منها جانبًا مختلفًا من جوانب الألم الإنساني، وتتميز بأسلوبها الأدبي الرفيع ولغتها الشعرية المكثفة. معنونة القصص على هيئة ترقيم للآلام. وجاءت العنوانين على النحو التالي: (انتظار، رزقت حياة، درة التاج، قدر، براءة، اخر الزمان، اغتيال، قربان، في ظل الشجرة، انتقام، الوافد الجديد، اضغاث أحلام). تدور قصص المجموعة حول موضوعات الألم والفقد والمعاناة الإنسانية، وتتناول قضايا اجتماعية وإنسانية متنوعة، مثل الحب والفقد، والظلم الاجتماعي، والوحدة والعزلة، والبحث عن المعنى في الحياة. وتسعى الكاتبة من خلال قصصها إلى تسليط الضوء على الجوانب المظلمة في حياة الإنسان، وإلى تقديم رؤية فلسفية عميقة للوجود الإنساني.
النمط العام للكتابة: تتبع الكاتبة في قصصها نمطًا واقعيًا رمزيًا، حيث تمزج بين الواقع والخيال، وتقدم رؤية رمزية للواقع الإنساني. وتتميز قصص المجموعة بالتركيز على التفاصيل الدقيقة، وعلى تصوير المشاعر الإنسانية المعقدة بدقة وإحساس مرهف.
الفئة المستهدفة: تستهدف المجموعة فئة القراء البالغين من محبي الأدب القصصي الرفيع، والمهتمين بالقضايا الإنسانية والاجتماعية والفلسفية.
جماليات السرد في القصص: تتميز قصص المجموعة بجماليات السرد، وتعتمد الكاتبة على تقنيات سردية متنوعة، مثل استخدام ضمير المتكلم وضمير الغائب، والتنقل بين الأزمنة والأمكنة، واستخدام الحوار والمونولوج الداخلي. وتتمكن الكاتبة من خلال هذه التقنيات من خلق عوالم قصصية غنية ومؤثرة.
العمل في سياق الفلسفة النقدية المعاصرة: يمكن وضع مجموعة “في ظل الشجرة” في سياق الفلسفة النقدية المعاصرة، حيث تتناول المجموعة موضوعات وقضايا تهم الفلسفة النقدية، مثل العلاقة بين الأدب والمجتمع، ودور الأدب في التعبير عن الواقع الإنساني، وأهمية الأدب في تغيير الواقع.
القراءة التحليلية لمجمل القصص:
سيمائية العنوان ودلالته: “في ظل الشجرة” وهي عنوان القصة التاسعة الموسومة ب (الألم التاسع) ضمن ترتيب المجموعة القصصية، والتي تدور أحداثها حول مسنة تسكن في مدينة القدس الشريف هي وأسرتها، والتي تعاني من ويلات الاحتلال وقضية هدم البيوت. يحمل العنوان دلالات عميقة، (فالشجرة) ترمز إلى الجذور ترمز إلى الثبات من خلال جذورها الممتدة في الأرض والرسوخ والأمان والاستقرار، والحياة المتجددة، لكنها قد تكون أيضاً شاهداً على الذكريات المؤلمة أو التحولات الوجودية. و(الظل) يمثل الحماية والراحة. العنوان يوحي بأن الرواية تتناول البحث عن الأمان والسكينة في ظل عالم مضطرب. كما يشير إلى الحماية المؤقتة، أو الاختباء من واقع قاسٍ، أو البحث عن ملاذٍ روحي. في القصة، تظهر الشجرة كفضاءٍ للقاءات مصيرية (مثل لقاء الحبيبين) أو كمكانٍ للتفريغ العاطفي. كما تعكس ثنائية الظل/الضوء صراع الشخصيات بين اليأس والأمل.
الزمكان: تمحورت القصص حول أماكن ومدن وقرى في فلسطين وجمهورية مصر العربية.
الشخصيات المحورية، تتمثل في (الرجل والمرأة) بعض القصص تدور حول معاناة المرأة والبعض الاخر عن معاناة الرجل في مواجهة الفقد والصدمات، في محاولة لاستعادة التوازن النفسي في بعض القصص. وفي وصف معاناة الفقد والألم في قصص أخرى. وفي التفكير في الفلسفة الوجودية في البعض الاخر.
الأسلوب واللغة: تتميز الكاتبة بأسلوبها الأدبي الرفيع ولغتها الشعرية المكثفة، وتستخدم الصور الفنية والتشبيهات والاستعارات بكثافة، مما يضفي على قصصها جمالية خاصة. كما تتميز لغة الكاتبة بالوضوح والعمق، وتتمكن من خلالها من التعبير عن المشاعر الإنسانية المعقدة بدقة وإحساس مرهف. تمثل مجموعة “في ظل الشجرة” إضافة نوعية للأدب القصصي العربي الحديث، حيث تتناول موضوعات وقضايا إنسانية واجتماعية وفلسفية متنوعة. وتسعى الكاتبة من خلال قصصها إلى تسليط الضوء على الجوانب المظلمة في حياة الإنسان، وإلى تقديم رؤية فلسفية عميقة للوجود الإنساني.
اللغة شعرية واستعارية: تستخدم الكاتبة لغةً غنية بالصور البلاغية (مثل: “دموعها حمماً”، “قلب سكين”)، مما يعمق الحالة النفسية للشخصيات ويجعل النص مكثفاً عاطفياً.
السرد المتقطع: تتنقل الرواية بين الأزمنة والفضاءات دون خط زمني واضح، مما يعكس تشظي الذاكرة وعدم استقرار الواقع.
الحوار الداخلي: تهيمن المونولوج الداخلي على نص الرواية، خاصة في فصول مثل “الألم الأول” و”الألم الثاني”، مما يكشف عن أعماق الشخصيات المليئة بالصراعات.
التكثيف الدرامي: الأحداث سريعة ومليئة بالمفاجآت، مثل الوفيات المفاجئة
تحليل بعض القصص: دارت بعض من القصص حول الواقع والخيال (والميتافيزيقيا). أغلب القصص جاءت على لسان ضمير الغائب وأسماء الشخصيات في كثير من القصص مجهولة. ومن نماذج القصص:
• الألم الأول بعنوان: ” انتظار” والتي جاءت فيها قصة حياة وهي الشخصية المحورية، حيث تمثل المرأة التي تواجه الفقد والصدمات، وتحاول استعادة توازنها النفسي بعد اكتشاف اصابتها بمرض السرطان. وتقرر فك رباط التزام خطيبها اتجاهها بالانفصال عنة في خطوة تجلت بالتضحية والاثار. مراد: خطيب حياة، يظهر كرمز للحب والتضحية والوطن. الأم: تمثل الدعم العاطفي والسند لحياة. كانت الحبكة تتسم بالواقعية والعمق النفسي، وتعتمد على استرجاع الذكريات والتفاصيل الصغيرة التي تكشف عن الصراع الداخلي للشخصيات. أما الأسلوب الأدبي استخدمت الكاتبة (عبير سعد) لغة بسيطة وعميقة في ذات الوقت، وتعتمد على الوصف الدقيق للمشاعر والأحاسيس. كما تستخدم الرمزية في التعبير عن الأفكار والمشاعر. وحول الرسالة: تدور حول فكرة الأمل والإيمان بالحياة رغم الألم، وكيف يمكن للإنسان أن يتجاوز الصعاب ويجد السعادة في أبسط الأشياء. كما تطرح تساؤلات حول معنى الحب والفقد والتضحية. من الجانب الفلسفي تتناول القصة قضايا فلسفية مثل معنى الوجود والموت والحب، وكيف يمكن للإنسان أن يجد معنى لحياته في ظل عالم مليء بالتحديات. ومن الجانب الاجتماعي: تعكس القصة بعض القضايا الاجتماعية مثل تأثير الفقد والصدمات على الأفراد والأسر، ودور الدعم الاجتماعي في تجاوز المحن. أما حول النهاية: فهي تبعث على الأمل، حيث تجد حياة السلام الداخلي وتستطيع المضي قدمًا في حياتها. رغم ترك القصة بنهاية مفتوحة مبهمة. هل شفيت أم لا؟ لتبقي النهاية لخيال القارئ.
• وفي قصة الألم السادس ” اخر الزمان” في تخيل أهوال علامات الساعة الصغرى من خلال سرد قصة تدور في القاهرة في حي الحسين، والتي تكشف عن تناقضات المجمع من خلال وصف حسين الحسين وزوار ال بيت النبي صلى الله علية وسلم. وصفت الكاتبة عبير بموضوعية وفن سردي ابداعي، كيف شارع واحد يعري تباين البشر والاجناس والثقافات غنى وفقر، فاجر وعابدن مثقفين واميين، الخير والشر، في وصف الشوارع المجاورة والتي تضم الزاهدين والمتعبدين في مسجد الحسين، والسياح والمثقفين في المقاهي، والشارع المقابل يجمع بائعات الهوى.
• كذلك قصة الألم الثامن بعنوان: “قربان” قصة خيالية تتجلى الميتافيزيقية والموروث الشعبي حول الخرافات والتأثر بأساطير الجن والشياطين والشعوذة. والتي تقدم فتاة قربان للشيطان. والتي أرى أن أمثال هذه القصص تؤثر على مقاومة الموروث الشعبي حول الخرفات والمعتقدات الشعبية غير الواقعية.
الثيبات الرئيسية: تغلب على القصص التراجيديا حول الحياة والموت ومعاناة الفقد. وكان ذكاء من الكاتبة اذ جعلت محطة استراحة لخفض وتيرة المعاناة المثقلة بالأحداث المأساوية لأبطال قصصها. وذلك من خلال القصة الخامسة بعنوان ” براءة”. قصة الطفلة التي تسكن احدى القرى المصرية على ضفاف نهر النيل والتي فقدت الجنية التي اعطته لها جدتها لشراء لتر جاز وحلوى لها، لتدخل في مفارقات عدة. قصة لها بعدًا انسانيًا. كذلك أطفت جو هزلي ساخر لخفض مستوى التراجيديا لباقي القصص، جاءت مثل سحابة محملة بزخات رطبة من الإنسانية والشعور مع الاخر. وبقطرات من بعض سحرية القدر ومن المتعة والتشويق، لتشجيع القارئ لمتابعة القراءة بتشويق.
في الختام: يمكن اعتبار مجموعة “في ظل الشجرة” بمثابة مرثية للألم الإنساني، حيث تتناول كل قصة نوعًا مختلفًا من الألم، وتسعى إلى التعبير عن هذا الألم وتصويره بدقة وإحساس مرهف. تتميز المجموعة بالتركيز على التفاصيل الدقيقة، وعلى تصوير المشاعر الإنسانية المعقدة بدقة وإحساس مرهف، مما يجعلها قريبة من القارئ وتجعله يشعر وكأنه يعيش مع شخصيات القصص. تستخدم الكاتبة في قصصها تقنيات سردية متنوعة، مثل استخدام ضمير المتكلم وضمير الغائب، والتنقل بين الأزمنة والأمكنة، واستخدام الحوار والمونولوج الداخلي، مما يجعل قصصها أكثر تشويقًا وإثارة للاهتمام. يمكن اعتبار المجموعة بمثابة دعوة إلى التفكير في معنى الحياة والموت، وفي أهمية الحب والأمل في مواجهة الألم والمعاناة. والفلسفة الوجودية. تقدم مجموعة “في ظل الشجرة” رؤية نقدية تحليلية متعمقة للواقع الإنساني، وتتميز بأسلوبها الأدبي الرفيع ولغتها الشعرية المكثفة، وتستحق أن تحظى باهتمام القراء والنقاد على حد سواء.

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي