قراءة لقصيدة (فوحي عطرا)
للشاعر عبدالرحیم الساعتجي
بقلم : سلوی علي
(فوحي عطرا) قصيدةٌ تُحوّل الكلام إلى فعل وجودي، حيث تُعيد الكلمات تشكيل العالم من زهورٍ ذابلة إلى سمواتٍ سبع. الشاعر ينسج لغةً تخلط بين الحسي والمجرد، ليقول إن الصمت موت، وأن الكلام هو النَفَس الذي يُعيد للروح أجنحتها.
في هذه القصیدة الخطاب موجّه لأنثى (كلامكِ، نطقتي)، مما يُذكر بتقاليد الشعر العربي حيث الأنثى مصدر الإلهام والحياة. لكن القصيدة تتجاوز النموذج التقليدي بتحويلها الأنثى إلى قوة كونية (كالكلام الذي يُنظّم الوجود).
تتميز هذه القصيدة بهيكلٍ حر يعكس تدفق المشاعر العفوية، مع تكرار عبارة محورية وهي ( تكلمي وفوحي عطرا)
استخدمه الشاعر كإيقاع داخلي يُؤكد الإلحاح والاشتياق. هذا التكرار ليس مجرد أداة موسيقية، بل يُحاكي دورة الطبيعة المتجددة وصراع الإنسان ضد الجمود.
الانزياحات التي نراها في الترقيم وتبديل الأسطر مثل (لذابلةُ / في سكوتكِ) تُضفي إحساساً بالتفكك الذي يعانيه المتحدث في صمت المُخاطَب، بينما يُعاد بناء العالم عند نطقها
الشاعر یصور الكلام هنا ليس كوسيلة اتصال فحسب، بل كقوة سحرية تُحيي الزهور الذابلة، تُنقشع الضباب، وتُحرك الفراشات.
ٲما العطر هنا فهو استعارة لِما يتركه الكلام من أثرٍ حسيٍّ وروحي، كأن الكلمات تُطلِق روحاً خفية تُعيد تشكيل الواقع.
اما الصمت (الذابلة، الضباب، الجمود) بالكلام الذي يُنتج حياةً (الفراشات، الذكريات، السموات). هذا الثنائي يُجسد رحلة الإنسان من العُزلة إلى الاتصال، ومن المحدود إلى اللامحدود.
اما (قاطرات الذكريات) و(سبع السموات) تدمج الزمني بالمُتعالي. الذكريات هنا ليست هروباً، بل جسراً نحو السمو، حيث يصعد المتحدث من محطات الماضي إلى فضاءات الروح.
وٲما الضباب على النافذة يعكس غموض المشاعر، والمطر يُجسدالدموع أو التطهير .
الفراشات الراقصة على أنغام الوجود تُحوّل الكلام إلى نوتة موسيقية كونية، تربط الفردي بالكوني.
السجود رمز الخضوع، لكن الصمت جعله عبئاً. هنا، الانزياح الديني يُبرز أن الصمت قد يُحول العبادة إلى سجن، بينما الكلام يحررها.
واما التكرار في القصیدة هنا يعمق الإحساس بالشغف، لكنه قد يُفقد القصيدة تنوعاً إيقاعياً لو لم تُواكبه تحولات في الصور. ومع ذلك، نجح الشاعر في توظيفه كخيطٍ ناظمٍ يربط بين الأرضي والميتافيزيقي.
واخیرا استطیع ان اقول :
بٲن هذا النص قد یقرٲ كتجربة صوفية، العطر رمزٌ للفيض الإلهي، والسبع سموات إشارة إلى مراتب المعرفة. الصمت هنا هو الغياب الذي يُهدد الاتحاد بالذات الإلهية.
القصیدة
فوحي عطرا
أشتاق لكلامكِ
فكلما نطقتي
فاح العطرُ
من ازهاري
الذابلةُ
في سكوتكِ
وينقشعُ
الضبابُ من خلفِ
نافذتي
تكلمي
وفوحي عطراً
كي تعانقُ
العصافير المبتلةِ
بزغاتِ المطرِ
أغصان الورودِ
تكلمي
وفوحي عطراً
كي ترقصُ
الفراشاتُ
على أنغام
الوجودِ
تكلمي
وفوحي عطرًا
كي أركبَ قاطرات
الذكرياتِ
أنتقلُ
من محطةٍ إلى محطة ٍ
وأسافر ُ
في اللامحدودِ
تكلمي
وفوحي عطرا
كي أكسرَ
أطواق الجمود
تكلمي
وفوحي عطرا
فبدون
مناجاتكي
لا أطيل السجود
تكلمي
وفوحي عطرا
لقد يأستُ
القعود
تكلمي
وفوحي عطرا
فأني أشتقت
الى سبعِ السمواتِ
الصعود
الشاعر
عبدالرحيم ساعتجي
إقليم كردستان العراق
السليمانية

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي