
قصّة قصيرة
سوقُ الأحلامِ
غَدًا يَومٌ مُمِيزٌ… يَومُ بَيْعِ الأحلامِ. أنا مُنْذُ عُصُورٍ لَمْ أَشْتَرِ حُلْمًا، كُنتُ فَقَطْ أَبِيعُهَا لِنَفْسِي ولِلآخَرِينَ. واليومَ قَرَّرْتُ اعتزالَ مِهْنَةِ البَيْعِ، لِأَمْتَهِنَ مِهْنَةَ الشِّراء. سأدخلُ سوقَ الغُرباءِ حامِلةً صُرَّةَ أسئلتي البالية، أتلمَّسُ بَينَ الأكُفِّ المُشرَعةِ خُيوطَ أحلامٍ مُهمَلةٍ، لَعلَّني أجدُ حَطَبًا لِنارِي المُنطفئة. فَمَن يَبيعُ حُلْمًا قَديمًا بِثَمَنِ دَمْعَةٍ؟ أو يَهُبُني شَظَايَا أستضيفها مِنْ مَدينَتِهِ الخَفِيَّة؟
سأشتري كُلَّ حُلمٍ مُتَعَفِّرٍ بِغُبارِ الوُجودِ، كُلَّ رِسالَةٍ مَطْوِيَّةٍ في زُجاجَةِ لَيلٍ، سأدفعُ ثَمَنَها بِقِصَصٍ مِنْ جُرْحِي، وأَجمَعُها في جَرَّةِ الذَّاكِرَةِ كَنُجومٍ مَسْرُوقَةٍ. لَستُ أدري إنْ كُنتُ سَأَجِدُ حُلْمي الضَّائِعَ بَينَها، أمْ أنَّ الشِّراءَ نَفْسُهُ هُوَ الحُلْمُ الجَدِيدُ: أنْ تَملِكَكَ الأسئِلَةُ، وتَصِيرَ الغَرِيبَ الَّذِي يَرْكَعُ تَحْتَ مِيزانِ الحَيرَةِ، فَتَعْرِفَ أنَّ الحُلْمَ لَيْسَ مَتَاعًا، بَلْ هُوَ الوَطْءُ الخَفِيُّ لِأَقْدامِنَا عَلى حُدُودِ المَعْنَى.
سأغادرُ السُّوقَ أخيرًا، حامِلًا أَكْياسًا مُمَزَّقَةً مِنَ اللَّامُبالاةِ، وَقَلْبًا يَرْفُضُ أنْ يَكُونَ مَحَلًّا. لَكِنْ… في طَرِيقِي إلَى البَيتِ، سَأَسْمَعُ صَوْتَ بَائِعَةٍ عَجُوزٍ تَهمِسُ: ‘مَنْ يَشتَري حُلْمًا لَمْ يُبَتَّلْ بِنِهايَةٍ؟’. سألتفتُّ، وَأَرَى نَفْسِي جَالِسَةً خَلْفَ المِيزانِ، أَبِيعُ مَرَّةً أُخْرى… فَأَدْرِكُ أنَّ الشِّراءَ وَالبَيْعَ وَهْمَانِ يَرْقُصَانِ عَلَى جَسَدِ الحَقِيقَةِ، وَأَنَّنَا لَسْنَا سِوَى تُجَّارٍ نُبادِلُ أَوْهامَنَا كَيْ نُقْنِعَ أَنْفُسَنَا بِأَنَّنَا مَا زِلْنَا أَحْيَاءَ.”
د. لور عبد الخالق الأعور / لبنان 🇱🇧
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي