
قصة قصيرة ..
لم يكن يعلم بان الزمن سوف يغدر به …بقي مسترخيا على وسادته تحت فيء شجرة الجوز المعمرة يشرب الشاي الأخضر مع النرجيلة …ويستمع إلى الراديو طوال الوقت …
كان يقلب من محطة لاخرى ليستمع باحثا عن اغاني عبد الحليم حافظ..تارة. ومحمد عبد الوهاب تارة اخرى …
ابو مازن هذا الرجل الستيني من عمره …قضى عمره في زراعة الارض التي ورثها عن ابيه …فهو الابن الوحيد المدلل …لم يشا ابو مازن ان يتعلم في المدرسة او يفك الحرف ..بل كان يهرب من المدرسة …حتى اجبره والده بالعمل بالأرض ….
احب ابو مازن ارضه كثيراً حتى العشق …فيمضي معظم وقته في عنايتها ورعايتها …
اما زوجته ام مازن ..فكانت امراة بسيطة لا تخالف امر زوجها ..وكان همها الاوحد اسعاد زوجها ..
ولسوء الحظ..لم يرزق ابو مازن بولد …ما جعل من حياته نكدة ومكدرة…
بعد مضي عشرين عاما على الزواج
انجبت ام مازن ولدا ..اسماه مازن ..
يتبع قصة قصيرة ..
اهتم الوالدين بابنهما مازن اشد الإهتمام..وبات حديث اهل القرية …شب مازن حتى تجاوز عمره الثانية والعشرين …
عرف بذكائه ونجاحه وتفوقه في المدرسة حتى نال الشهادة الجامعية واضحى مهندسا إلكترونيا مشهورا لدى محيطه الاجتماعي ..
كان مازن يجلس لوحده في اكثر الاحيان يفكر في قضية فلسطين …لقد قرا عنها في التاريخ ..وسمع عنها في نشرات الأخبار…والتعليقات الصحفية والإعلامية المتنوعة ..
باتت فلسطين هاجسه…فشعر بالتقصير…والضغط النفسي وتحمل المسؤولية…
كان حلم ابويه ان يروا ابنهما عريساً…كان همهما ان يروا اولاد ابنهما مازن…
كانت ام مازن تصر على ابنها بالزواج بعد ان اختارت له ابنة مختار القرية ..لكن مازن رفض ذلك وبقي مصرا على موقفه بعدم الزواج ..ما اثار غيظ الوالدين فاضطر الاب بطرد إبنه من المنزل ..حتى يتراجع عن رايه وموقفه من عدم الزواج …
ترك مازن القرية متوجها نحو المدينة وعقله منشغل في قضية فلسطين …لكن ماذا سيفعل لتحقيق هدفه ؟؟..
وصل المدينة واقيم في فندق لمدة اسبوع ..كان يشتري الصحف في كل يوم ليعرف ماذا يجري في فلسطين …واستدرك اخيرا بالدخول إلى ارض فلسطين كتاجر اقمشة ..بعد جهد جهيد نجح مازن في الدخول لفلسطين …
لكن مازن جعل لكل شيء امرا …فقد استطاع ان يتعلم ويتقن اللغة العبرية حتى الكتابة …
دخل مازن تل ابيب مرتديا زي الحاخام اليهودي متحدثا لكل من يلقاه باللغة العبرية…
فلم تمض اشهرا عدة حتى استطاع مازن ان يصادق اليهود واضحى لديه اصدقاء من المستوى الرفيع ….
بعد مضي عامين …
دقت ساعة الزمن …إنه ناقوس الشهادة ينادي ان حي على الجهاد …الارض عطشى تبكي بعد جفافها من الامن و الامان…ويبست ظلالها من لحن العروبة والقومية والإسلامية…..
انها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل…..
ساعة سكون ..الليل الاليل..يلف ظلامه في ارجاء تل ابيب …فقط صوت الرياح العاتية تعلو في المكان …
استيقظ مازن من نومه وتوضا بماء الشهادة…وقام ناظرا نحو الغرفة بعد ان ترك وصيته على الطاولة …وسار مسرعا نحو سيارته …
نظر إلى ساعته.
انها تشير إلى الواحدة والنصف ..إنه الموعد المحدد ..
استقل مازن سيارته وسار مسرعا نحو إحدى المباني الامنية…وما هي إلا دقائق عدة حتى انفجرت السيارة في ذاك المبنى …ليرتقي مازن شهيدا عريساً …
ساعة الخبر في قرية مازن عن العملية الاستشهادية…عبر الراديو …
كان قلب ام مازن يخفق بسرعة ..فاحست بان شيئا ما سوف يحصل …
لكن عز الشهادة كان الاقوى من كل ما سيحصل …
دكتور حسين ديب يونس ..
لبنان ..
اكاديمي وكاتب …
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي