
الداعية بين هيبة المنبر وإغراءات الاستعراض
في زمن باتت فيه وسائل الإعلام ساحة مفتوحة للجدل، تتكرر مشاهد تثير الاستغراب والاستياء، خاصة عندما تصدر عن شخصيات يفترض أنها تمثل الفكر الديني وتتحمل مسؤولية توجيه الناس نحو القيم والأخلاق. أحدث هذه المشاهد ما جرى في أحد البرامج التلفزيونية حيث ظهر د. مبروك عطية وهو يستضيف مطربي المهرجانات، ويتعامل معهم بأسلوب أقرب إلى التهريج منه إلى الإرشاد، في مشهد لم يخلُ من الطبل والتصفيق، بل وصل الأمر إلى أن يطلب من أحدهم قراءة القرآن على الهواء مباشرة!
تديين الابتذال أم ابتذال التدين؟
إن فكرة استضافة شخصيات من مجالات فنية مختلفة ليست مستهجنة بحد ذاتها، إذ يمكن أن يكون الحوار فرصة لنقد الظواهر السلبية وإصلاحها، ولكن أن يتحول الداعية إلى مشارك في الأداء الاستعراضي، متخليًا عن هيبة المنبر، فهذا أمر يستدعي التوقف والتحليل. هل أصبح الهدف من هذه البرامج مجرد إثارة الجدل وزيادة نسب المشاهدة على حساب الوقار العلمي والدعوي؟
الأزهر، كمؤسسة علمية ودينية، لطالما كان يمثل مرجعية في الفكر الإسلامي، ولذلك يُنتظر من الدعاة المنتسبين إليه أن يكونوا على قدر المسؤولية في الحفاظ على صورته. فكيف يمكن تبرير تصرفات تجعل الخطاب الديني أقرب إلى “الشو الإعلامي”؟ وكيف يُقبل أن يتحول القرآن، وهو كتاب الله العظيم، إلى مجرد أداة في سياق كوميدي، بدلاً من أن يُقرأ بوقار وخشوع؟
الإعلام والداعية: من التوجيه إلى الترفيه؟
من المؤسف أن بعض الدعاة في العصر الحديث أصبحوا أسرى لمنطق الإعلام الترفيهي، حيث لا يهم المضمون بقدر ما تهم الإثارة والتفاعل الجماهيري. في مثل هذه الحالات، لا يكون الداعية هادفًا إلى الإصلاح، بل يكون مجرد مكوّن في منظومة إعلامية تبحث عن الربح بأي ثمن.
إن احترام الخطاب الديني يفرض على من يتصدره أن يضع حدودًا واضحة بين الدعوة والتسلية، بين النقد البنّاء والاستعراض، وبين توجيه الناس وإضحاكهم. حين تضيع هذه الحدود، يصبح من الطبيعي أن نرى تدنيًا في مستوى الخطاب، وانحرافًا عن مقاصد الدعوة الحقيقية.
الوقار ليس عائقًا أمام التأثير
قد يبرر البعض هذا السلوك بأنه محاولة لجذب فئات جديدة إلى الخطاب الديني، لكن الحقيقة أن احترام الناس للدين ورموزه لا يأتي عبر المبالغة في التبسيط والتنازل، بل عبر تقديم خطاب عقلاني عميق يحترم عقول الناس ووجدانهم. فالوقار ليس عائقًا أمام التأثير، بل هو مفتاح المصداقية، وإذا فقد الداعية هيبته، فقدت رسالته أثرها الحقيقي.
في النهاية :
يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام مرحلة جديدة يتلاشى فيها الفارق بين الداعية والمهرج؟ أم أن هذه الحالات تبقى استثناءات يجب التصدي لها حتى لا تتحول إلى القاعدة؟ إن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الدعاة، بل على المشاهدين الذين ينبغي أن يميزوا بين الدعوة الحقيقية وبين الاستعراض الإعلامي الذي لا يضيف إلى الوعي بقدر ما يفرغه من مضمونه.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي