
الجزء الثالث من قصة (جزاء المعروف/الموقف المؤلم).
احس الوالد بالتردد .وفكر بالرجوع من امام سجن النساء …
لاول مرة يشعر هذا الاب بعقدة الذنب …يشعر بانه ارتكب جريمة بحق ابنته …ضميره يعذبه ..وافكار سوداء تنتابه بين الفينة والاخرى…نفسه في عذاب منذ ضربه ابنته سلوى على وجهها …
ماذا سيقول لابنته ؟؟
هل سيقول لها :سامحيني لقد اخطات بحقك وتسرعت لتصديق زوجتي وعمتك..
وماذا سينفع كل هذا امام مشاعر سلوى المنحطة والقلقة والمحطمة..؟.
سلوى لم تعد تفكر بشيء ..ولم تعد تهتم لشيء ..بعد ان اهينت كرامتها امام الجميع حتى امام صديقاتها في الجامعة …
خمسة اشهر في السجن ولم يات احدا من صديقاتها لزيارتها …العجب بل الغرابة من كل ذلك …
صديقات سلوى اللواتي وقفن بجانبها اثناء وفاة والدتها …وحاولن عدم نركها لوحدها ….
لكن ماذا حصل لهن حتى تغيرن فجأة…؟؟؟
بعد دخول سلوى السجن قامت زوجة الاب وذلك ضمن مخطط عمة سلوى (جهينة) بدعوة صديقات سلوى إلى حفلة عشاء …بغياب والد سلوى بعد ان سافر إلى مدينة اخرى لعدة ايام …
لم تكن هذه الحفلة سوى مؤامرة اخرى ضد سلوى ..فعمة سلوى (جهينة)لا تخاف الله ابدا الفتنة ماربها وحب المال هدفها والطمع مسيطر عليها …انها خطتها لزرع الخلاف والعداء ما بين ابنة اخيها سلوى وبين صديقاتها في الجامعة ..اما زوجة الاب فهي إنسانة غبية وجاهلة ولا تعرف شيئا عن اي مسؤولية…كان حلمها فقط ان تصبح زوجة حتى لمتسول في الطريق …ورغم ذلك لم تنس هذه الزوجة معروف جهينة حينما عرفتها على اخيها وتم النصيب..فهي ممتنة لها حتى الموت ..وإذا ما خالفت اي امر لجهينة فقد يؤدي ذلك إلى طلاقها…
اجل ..لقد نجحت جهينة عمة سلوى في تحقيق أحلامها ومصالحها …
قامت عمة سلوى بالتحدث مع صديقات سلوى بعد ان تناولن العشاء والحلوى والعصير ..
حديثها هذا لم يكن سوى تهكم بحق سلوى ونصيحة الحاضرات بالابتعاد عنها …
دخل الوالد سجن النساء متوجها نحو إدارة السجن..مترددا بين الفينة والاخرى…فقد احس بطعنة في قلبه وخوف شديد من مقابلة ابنته سلوى ..
لكن الحقيقة تبقى الاقوى ونصرة المظلوم واجب..بل بالاعتراف بالخطا فضيلة وشجاعة لا تماثلها شجاعة …هذا الاب الذي طالما وقف بحانب الحق ..انى له ان يظلم ابنته…؟؟؟
إنه الصراع الباطني الذي كاد يقتله من الداخل …وعذاب الضمير لهو اقسى واشد الما من السجن نفسه …انها لحظات التامل الذاتي لحظات الحديث مع النفس والضمير …!!؟!!!
وقف الوالد امام مدير السجن ..بعد ان نطق المدير بصوت متحدرج:اراك اتيت في وقت متاخر لزيارة ابنتك !!!
بقي الوالد صامتا ..لكن مدير السجن عاد مرددا :موعد محاكمة ابنتك بعد يومين …
الاب بكل تقطع :الحقيقة اتيت في هذا الوقت من اجل توقيف الدعوة ضدها ..
انتفض رئيس السجن من مكانه مرددا بكل تعجب :ماذا قلت يا هذا ..؟؟بعد مضي ثمانية أشهر على سجن ابنتك سلوى.تاتي الان للإفراج عنها ..؟؟ان كنت حقا يهمك امر ابنتك ..فاجعل لها محام قوي للدفاع عنها …
الاب وبكل تعجب :محام ولم كل ذلك ..؟؟
ابنتك يا استاذ متورطة بعدة سرقات وهناك اكثر من دعوة ضدها …
ماذا تقول يا حضرة العميد ؟؟
اجل ..منذ شهر اتين صديقات ابنتك ورفعن دعوة ضدها بانها سرقت لهن بعضا من الاساور والاغراض الخاصة بهن ..
صرخ الاب قائلا:لا هذا غير ممكن ..لا اصدق ما تسمعه اذناي..مستحيل ان تكون ابنتي سارقة ..
قاطعه العميد مرددا وبكل سخرية:لا ..حقا انت جننت وفقدت عقلك ..انت من اتى بابنتك للسجن ..وطلب معاقبتها اشد العقاب…
كانت سلوى تبكي من شدة الجوع والوجع..فهي ترتجف من البرد القارس..بلا غطاء ولا مخدة منزوية في زاوية السجن والشحوب باد على وجهها البريء …
تذكرت امها المرحومة وهي تحتضنها وتغني لها ..تذكرت امها حينما اهدتها ساعة يد بعد ان نجحت بتفوق في السنة الاولى الجامعية..تذكرت حديثها مع امها في المطعم والحديقة العامة …
احست سلوى باختناق مرير وصرخت باعلى صوتها مرددة:ماما .. ماما..ماما خذيني اليك…
دخل مدير السجن غرفة سلوى ..وامرها بالخروج إلى مكتبه ..نظرت سلوى إليه بصمت دون ان تتفوه ولو ببنت شفة ..اقترب منها المدير وامرها بالقيام والذهاب معه ..
حاولت سلوى النهوض لكن لم تستطع ذلك ..وبعد جهد جهيد قامت وتناقلت ببطء شديد برفقة مدير السجن إلى مكتبه …
وصلت المكتب فتفاجات بابيها..ركض الاب نحوها ليعانقها مرددا :ابنتي سلوى حبيبتي ..
لكن سلوى ابتعدت عنه بصمت ..عاد الاب مرددا امام ابنته سلوى ومدير السجن :لقد كنت قاسيا معك يا حبيبتي ..لقد ظلمتك اشد الظلم . انت بريءة مما نسب اليك ..لقد فهمت الحقيقة بعد ان انقشع الضباب عن قلبي وعقلي …
بقيت سلوى صامتة .لكن فجأة نظرت نحو مدير السجن مرددة بكل تقطع :اعدتي للسجن …لا تريد سماع شيء ..
اقترب الاب من ابنته مرددا والدموع غسلت وجهه :حبيبتي ارجوك التوسل اليك ان تسمعينني ..حقك بان تميلي عني ..نحن الإثنين وقعنا في فخ زوجتي اللعينة واحتي جهينة ..لقد انكشفت الحقيقة لكن بعد فوات الاوان..
نظرت سلوى نحو ابيها مرددة :لم يعد يهمني اي شيء ..مكاني هنا في السجن .. اتيت لتعتذر متي وتطلب السماح بعدما سمعت كلام زوجتك المتسولة واختك الفتانة…متى كنت سارقة حتى صدقت ما قيل لك عني ..؟؟؟
هل نسيت يا ابي حينما رافقتك لإحدى المصارف لتودع مبلغا من المال ؟؟؟
الم تقل لي بانك تثق بي فقط وكل املاكك سوف تسجلها باسمي خوفا من طمع اخوتك واخواتك…
لكن كلام الليل يمحوه النهار …
اسمعني جيدا ..انا لا اريد شيئا من ثروتك ولا منك ..هل نسيت كيف تبرات متي امام زوجتك واخوتك واخواتك إلى يوم الدين ؟؟الم تقل بانني لست ابنتك ؟؟
قاطعها الاب وهو يمسح الدموع عن عينيه :معك حق يا بنيتي ..لم اكن مدركا وقتذاك لما قلته بحقك ..لقد كنت قاسيا معك ….
الندم لم يعد ينفع الآن…
خرجت سلوى من مكتب مدير السجن متوجهة نحو غرفتها الوحيدة في السجن …
يتبع
دكتور حسين ديب يونس..
لبنان ..
اكاديمي وكاتب.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي