
الجزء السابع والاخير من قصة (جزاء المعروف/الموقف المؤلم).
المحامي متحدثا مع صديقه الطبيب النفساني :هذه مهنتك يا دكتور ..وانت تعرف اكثر مني كيف تستطيع معالجتها …
الطبيب النفساني:صديقي استاذ لا انكر ذلك ..لكن هذه الفتاة لا تمت لي باية صلة قرابة .وانت تطلب مني ان اتطاهر بانني والدها …
المحامي :سلوى الآن لا تتذكر شيء من الماضي سوى حالتين فقط …
الطبيب النفساني:وما هما هاتين الحالتين ؟؟؟؟
المحامي :صفع والدها على خدها بقوة حينما أخبرته زوجته واخته جهينة بانها سرقت سوار الذهب.. وظهر ذلك السوار حقا في جزدان سلوى ..والمرة الثانية حينما قامت الدكتورة المحاضرة في قاعة الجامعة بتوبيخ سلوى امام صديقاتها واصدقاءها.. واتهمت بانها سارقة ..
هاتين الصورتين لا تغادران ذاكرة سلوى ابدا …
الطبيب النفساني:هكذا إذن!!!!
المحامي :انت لست خاسرا شيئا..كل ما عليك ان اصطحبك للشركة بسيارتي وتقوم حينئذ باخذ سيارة الاستاذ فايز والد سلوى واصطحاب الأخيرة معك ..لانها حتما حينما ترى سيارة ابيها ستظن بانه هو حقا ..فهي حتى الآن لا تعرف ابدا بموت ابيها ..
الطبيب النفساني:حسنا يا صديقي …
اما عن زوجة الاستاذ فايز (فهيمة)فقد اصابها الجنون وباتت تمشي في الطرقات والازقة تولول تارة وتنفش بسعر راسها تارة أخرى..
فيما السيدة جهينة حكم عليها بالسجن لمدة عشرة اعوام ..
وصل الطبيب النفساني إلى الحديقة العامة… يلحقه المحامي ..نزل الطبيب متنقلا في تلك الحديقة يبحث عن سلوى …كانت صورتها معه بعد ان اخذها من مكتب والدها المتوفي ….وبدا يسال المارة عنها من خلال الصورة …واخيرا ..كانت سلوى تجلس على مقعد خشبي في إحدى زوايا الحديقة العامة …تنظر يمنة ويسرة دون ان تتفوه باية عبارة ..حتى ظن المارة بانها متسولة .كلا منهم يعطيها قطعة نقود ..وصل الطبيب النفساني إليها وبعد ان نظر للصورة مليا ايقن بانها سلوى ..اقترب منها مرددا : بنيتي سلوى انت هنا وانا ابحث عنك ؟؟
نظرت سلوى نحو الطبيب النفساني مرددة :بابا لم تاخرت كثيرا ؟؟
الطبيب النفساني :معك حق يا سلوى ..تاخرت عنك كثيرا ..
(ملاحظة :الطبيب النفساني يشبه والد سلوى كثيرا حتى حشرجة صوته ايضا )…
قامت سلوى متنقلة مع الطبيب النفساني إلى منزله ..فيما المحامي لحق بهما…
كانت سلوى تنظر هنا وهناك دون ان تتفوه باية عبارة ..كانت تشعر بالتعب الشديد والنعاس القاتل .فقط ما تريده الوصول للمنزل لتنام …
انها في حل من امرها…حتى هي لم تعد تدرك حقيقة شخصيتها.. تائهة بين ذاكرتها وواقعها….
فالطبيب النفساني فهم معاناة سلوى الاليمة..وهذا يحتاج إلى دقة في التعامل معها وبكل دراية…لقد اضحت شديدة الحساسية..لذا باتت كل كلمة توجه إليها لها مقياسها الخاص ولها توازنها…لان سلوى لم تعد تحتمل المزيد من الضغوطات بعدما حل بها ما حل من ظلم وطغيان والم ووجع….
فالطبيب النفساني هذا ..يعرف جيدا كيف يمكن علاقته مع سلوى ..لكن يبقى الوقت وحده سيد الموقف في النهاية …
وعلاج سلوى لن يتم مباشرة .بل من خلال برنامج خطط له بكل دقة ..فالمشكلة الاولى والاهم إعادة تفعيل عمل الذاكرة لدى سلوى .. ونسيان حالات الخوف جراء الصفع والتوبيخ…
اسبوعان مضيا ..وبدت سلوى تدرك وجودها .. شيئا فشيئا..
بابا ..غدا عيد ميلادي ..اريد ان تقيم لي حفلة بهذه المناسبة …
الطبيب النفساني:اوه عزيزتي .. كدت ان انسى ذلك …
سلوى :لا يا بابا .. الآن اذكرك بذلك ..
الطبيب النفساني:حسنا حبيبتي ..افكر بان تقام حفلة عيد ميلادك في إحدى الصالات …ما رايك ..؟؟؟
سلوى وهي تبتسم مرددة :احقا يا بابا ؟؟
الطبيب النفساني:اجل يا حبيبتي ..
احس الطبيب النفساني بصدمة قوية ..فهو لم يدرك خطورة موقفه هذا فيما بعد …
ماذا لو علمت سلوى بان والدها الإستاذ فايز قد توفي حقا ؟؟وان هذا الطبيب قام بتمثيل دور الاب .. ما عساها فاعلة ..؟؟؟؟
حتى ولو مضى اشهرا عدة على التمثيل ففي نهاية المطاف سوف تكشف الخفيفة …
لكن المحامي ادرك ذلك منذ البداية ..فالوصية معه ..وهذه فقط نؤكد وفاة والد سلوى..لكن الوصية والارث امانة يجب ان تعطى لسلوى فهذا من حقها ..
كانت سلوى تتعلق بالطبيب النفساني يوما بعد يوم ..حتى ان غاب عنها للحظة..سالت عنه ونادته..اجل لقد شعرت معه بالامن والامان والاستقرار..واحست بان شيئا ما كان ينقصها فوجدته في هذا الطبيب ..لكن الخوف الشديد كان ينتاب قلب الطبيب النفساني…الخوف من عاقبة الامور وكشف الحقيقة ..حينها ماذا ستفعل سلوى ؟؟.
هواجس كادت ان تقضي على عقل الطبيب ..لكن المحامي لن يترك صديقه الطبيب وحده يصارع الواقع الصعب ..وهو اي المحامي يعرف جيدا كيف يحيك خيوط النتائج…فالكرة في ملعبه ..وسلوى يلزمها وقتا طويلا لتدرك حقيقة واقعها وامرها ..هي ندرك فقط وفاة والدتها دون سواها ..فحضورها إلى منزل الطبيب النفساني انساها زوجة ابيها وعمتها جهينة بل وكل اقاربها …فقط اباها مازال حاضرا في ذاكرتها وواقعها..
هذه المشاعر الإيجابية كانت تنمو يوما بعد يوم في نفس سلوى ..
كان يدرك تماما الطبيب النفساني بان عيد ميلاد سلوى لم يكن ذاك اليوم ..لكنه حاول ادخال السرور إلى قلب سلوى ..
اتفق الطبيب النفساني مع صديقه المحامي على دعوة بعضا من موظفات شركة والد سلوى شرط ان يتظاهرن بانهن صديقات سلوى دون التفوه باية كلمة وكشف حقيقة وفاة والد سلوى ..
لقد تمت الحفلة بنجاح تام ..انها للمرة الاولى تضحك سلوى وترقص وتغني في حفلة عيد ميلادها ..وكان الطبيب النفساني يرقص معها حجة إنه ابيها ….
انتهت الحفلة والجميع عاد لمنازلهم ..
لكن ماذا حصل …..؟؟..
استيقظت سلوى عند منتصف الليل..بعد ان رات كابوسا مزعجاً .. جلست في سريرها وهي تنظر إلى الغرفة …
اسئلة مختلفة راودت عقلها ولاول مرة …تيقنت حينها بانها في منزل ليس منزل والدها المتوفي..فالكابوس لم يكن سوى منام اعاد بسلوى إلى منزل ابويها …لقد ادركت حينها بان هذا المنزل (اي منزل الطبيب النفساني)ليس منزل والدها.. اسئلة راودت ذهنها فجاة
ماذا تفعل هنا ؟؟ولم اتى اباها إلى هذا المنزل ؟؟؟
لم تنم تلك الليلة وهي تنتظر بزوع الفجر بفارغ الصبر لتتحدث مع الطبيب النفساني عن كل ذلك ..
بزغ الفجر اخيرا ..وقامت سلوى بإعداد القهوة للطبيب النفساني ..دخلت غرفته مرددة :بابا صباح الخير .لقد اعددت لك القهوة بيداي…
استيقظ الطبيب من نومه مرددا :صباح النور يا عزيزتي
اراك مستيقظة باكرا هذا اليوم …
سلوى :اجل يا بابا .بل قل بانني لم اذق طعم النوم ليلة امس ..
قام الطبيب النفساني من فراشه مرددا وبكل تعجب :ماذا ..هل حصل لك شيئا ؟؟؟
سلوى :بابا ارجوك قل لي الحقيقة !!
الطبيب النفساني:حقيقة ماذا يا حبيبتي ؟؟
سلوى :اشعر بان هذا المنزل ليس منزلنا …لم اجد صورة المرحومة ماما في اي مكان من هذا المنزل.اجبني بصراحة لم نحن هنا ؟؟
الطبيب النفساني :بنيتي الحبيبة..ما هذه الأقاويل التي تتلفظين بها منذ صباح هذا اليوم ..؟؟
سلوى :انت متاكدة مما اقوله يا بابا .. ارجوك اخبرني الحقيقة ..
الطبيب النفساني:حقيقة ماذا يا عزيزتي ؟؟؟
سلوى :اشعر بانك تخفي عني امرا ما..
الطبيب النفساني::اعود بالله العظيم من شر الشيطان الرجيم من هذا اليوم …اخبريني ماذا جرى لك ؟؟؟
سلوى :لم تتهرب من الجواب. إذن …؟؟؟؟
الطبيب النفساني:انا لا اتهرب يا عزيزتي …
فجاة دق هاتف الطبيب ..إنه صديقه المحامي ..
قام الطبيب مسرعا ليتحدث مع صديقه خارج غرفته ..
الطبيب النفساني:ارجوك يا صديقي تعال بسرعة ..
المحامي :ما بك . اراك على غير ما يرام ..هل حصل لسلوى شيئا..؟؟
الطبيب النفساني:مصيبة وقعت عليي فجاة..ولا ادري ماذا سافعل…
المحامي :حسنا انا قادم ..
الطبيب النفساني:ارجوك يا صديقي لا تتاخر ..
المحامي :فقط مسافة الطريق..
عاد الطبيب النفساني إلى غرفته فوقفت سلوى واقتربت منه مرددة :اسمعني جيدا يا بابا ..ان كان شعوري في مكانه فلن اسامحك ابدا ..
الطبيب النفساني:سلوى . اسمعيني جيدا .هذا الكابوس ليس سوى اضغاث احلام..ولا داعي للقلق والتوتر منه…
سلوى :لا يا بابا . ليس اضغاث احلام ابدا . انا واثقة مما اقوله ..
وصل المحامي إلى منزل الطبيب النفساني ودخل مسرعا ..مقتربا من صديقه وسلوى مرددا :صباح الخير ..
سلوى :اهلا بك يا استاذ ..
الطبيب النفساني:هلا اعددت لنا القهوة من جديد يا حبيبتي !!!
سلوى :حسنا يا بابا …
دخل الطبيب برفقة صديقه المحامي الصالون ..وما لبث ان ردد المحامي :ما بك يا صديقي ؟؟اراك على غير ما يرام ..
الطبيب:سلوى عرفت بحقيقة امرها ..
المحامي وبكل تعجب:ماذا تقول يا دكتور …؟؟وكيف عرفت ذلك ؟؟
الطبيب:لقد رات مناما غريباً جعلها تستيقظ باكراً..
المحامي :منام ماذا ؟؟
وقفت سلوى خلف باب الصالون تستمع للحديث ما بين المحامي والطبيب ..
ربع ساعة مضت وهي على هذه الحالة..لقد فهمت الحقيقة باكملها …عرفت حينها بان الطبيب ليس. والدها …
دخلت الصالون ووضعت صينية القهوة على الطاولة ووقفت مرددة بعد ان نظرت مليا نحو كل من المحامي والطبيب النفساني :إذن ما رأيته في منامي لم يكن كابوسا بل حقيقة ..اين بابا ؟؟
الطبيب النفساني:انا ابوك يا..
قاطعته سلوى مرددة وبغضب:لا انت تكذب عليي انت لست بابا …اخبراني ماذا افعل هنا ؟؟؟
المحامي :اجلسي يا عزيزتي لتتحدث اليك ..
سلوى وبكل سخرية:تتحدث اليي يا استاذ ..بم ؟؟.
الطبيب:هيا يا بنيتي ..الا تريدين الحقيقة ؟؟؟
سلوى :اجل ..
المحامي :اسمعيني جيدا يا سلوى …لقد كنا نعرف جيدا بإننا سوف نصل إلى نهاية المطاف وسوف تنكشف الحقيقة كاملة …
والدك ليس هذا الرجل الذي امامنا ..والدك توفي منذ عامين إثر جلطة دماغية في مكتبه بالشركة ..وانا بدوري محامي شركة ابيك وقد ترك لك وصيته الاخيرة …
صرخت سلوى باعلى صوتها :إذن كل هذا الوقت ظننتك بابا وانت تكذب عليي ..
الطبيب النفساني:انا شبيه ابيك كنت مجبرا على القيام بذلك لانك كنت بحاجة ماسة إلى من يقف بجانبك ويحميك..
سلوى :لا ..لا اصدق ما تسمعه اذناي…انتما تكذبان عليي ..
اخرج المحامي الوصية من محفظته واقترب من سلوى مرددا :هذه الوصية عليك بقراءتها امامنا ..
اخذت سلوى الوصية وسرعان ما رمتها على الطاولة مرددة :لا اريد قراءة اي شيء …
لكن المحامي اخذ الوصية وبدا بقراءتها بصوت عال ..وما لبث بعد ان انتهى من القراءة ان قدم لها مفاتيح الشركة ..
لكن ماذا حصل ::قامت سلوى بتمزيق الوصية واوراق الشركة ..وما لبثت ان غادرت منزل الطبيب النفساني..ركض كلا من الاستاذ والطبيب خلفها …ولسوء الحظ..لم يلخقا بها …لقد خرجت سلوى مسرعة من المنزل دون ان تنتبه للشارع حتى داستها سيارة فوقعت على الارض وما لبثت ان فارقت الحياة…
النهاية ..
دكتور حسين ديب يونس.
لبنان ..
كاتب واكاديمي.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي