
التغافل المسموم: حين يُباع الصدق بثمن الوهم
بقلم: نورما شمس الدين
الأحد ١٢ أبريل 2025
في زمنٍ اختلطت فيه القيم وتبدّلت المعايير، أصبح الزيف فضيلة، والصدق تهمة. تُغدق المدائح على أصحاب الأقنعة، ويُصفَّق للمخادعين، فيما يُقصى الصادقون إلى الهامش، وكأنهم ارتكبوا جريمة في وضح النهار. في خضم هذا العبث، يطفو سؤالٌ جوهري على السطح: هل يستحق ما يُسمّى “الودّ” أن نمزّق أنفسنا في سبيله؟
التغافل المتكرر ليس حكمة، بل يتحوّل مع الوقت إلى نمط حياة يهدر الكرامة ويُرهق الروح. قد نصمت مرة بدافع التعقّل، ومرات بدافع التسامح، لكن الصمت الدائم إذنٌ بانهيار داخلي وخيانة للذات. فالتنازل المستمر عن الحق في الاحترام لا يصون الودّ، بل يصنع وهمًا هشًّا يعتاش عليه المتصنّعون، بينما يغرق فيه أصحاب النوايا الصافية.
الصمت لا يُلغي الألم، بل يطمره. والإساءة لا تزول بالتجاهل، بل تتجذّر وتعود لاحقًا بأشكال أشد فتكًا. وكل لحظة صمت عن الظلم تُمنح للظالم على هيئة شجاعة، وتُثقِل كاهل المظلوم بحمولة نفسية يصعب احتمالها.
تذكّر: الودّ الحقيقي لا يُبنى على إذلال النفس، ولا على تنازلات تهدر الكرامة. هو علاقة متوازنة، تقوم على الصراحة الذكية، ووضع حدود واضحة، والتمييز بين التسامح النبيل والتهاون المهين.
فالعلاقات التي تنهار عند أول موقف صادق، لا تستحق البقاء. نعم، نحن لا نعيش زمنًا يكافئ الشفافية، لكننا لسنا ملزمين بأن نكون ضحاياه. من يختار التغافل الدائم، إنما يختار أن يخون ذاته قبل أن يُرضي الآخرين.
لنرفض أن نكون نسخًا باهتة من أنفسنا، ولنبنِ علاقات تقوم على الحقيقة لا التجمُّل، وعلى الاحترام لا التنازل.
الكرامة ليست عائقًا في طريق الودّ، بل هي أساسه.. فمن يُطالبك بإهمال نفسك من أجل البقاء، لا يستحق البقاء في حياتك.
والعلاقة التي تُطفئ نورك الداخلي، لا تستحق أن تُشعل من أجلها شمعة.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي