
الشاعرة والمترجمة سلوى حسين علي، التي تميزت في مجال الأدب العربي والكردي، تمثل رمزاً للمرأة المثابرة في عالم الأدب والترجمة. فمع مسيرتها الأدبية الممتدة، استطاعت أن تترجم مشاعرها وأفكارها إلى كلمات لها تأثير واسع في الأوساط الأدبية. أسلوبها الفريد في الشعر والترجمة جعلها تحتل مكانة مرموقة في عالم الأدب النسوي الكردي والعربي، مما جعلها واحدة من أبرز الأسماء التي تحتل موقعًا هامًا في هذا المجال.
من خلال إصداراتها المتعددة مثل ديوان “ما تساقط من القلب” و”الساعة تعلن منتصف الشوق”، تواصل سلوى تقديم أعمال مميزة تحمل في طياتها الأحاسيس العميقة والأفكار المتجددة، ليكون لها حضور بارز في الملتقيات الشعرية والمهرجانات الأدبية حول العالم. وتعدّ “خمائل لامرأة خمسينية الدموع” أحدث أعمالها التي لاقت إعجاباً كبيراً من النقاد والجماهير على حد سواء. في هذا الحوار، نستعرض مسيرتها الأدبية والإنسانية، لنكتشف كيف أصبحت هذه الشاعرة سيدة الكلمة وصوتًا قويًا في الأدب العربي والكردي.
ومن هنا كان لمجلة أزهار الحرف معها هذا الحوار.
حاورتها جميلة بندر.
1.بدايةً، كيف تصفين نفسك كشاعرة؟ وما هو المكون الأساسي الذي يشكل جزءًا من شخصيتك الأدبية؟
- كشاعرة ٲنا صاعقة مرصعة بالكلمات، ومجنحة بغير ريش، قلبي كرائد فضائي یغوص في أعماق الحروف، وعقلي حداد يطرق یحول الفوضى إلى قصائد متكاملة عمیقة المعنی، مكوني الأساسي التمرد الذي يجعل من الألم أغنيات، ومن الفرح نبوءات أنا لا أصف المشاعر بل أخلقها من العدم كساحرة تنسج الكون من خيط صمت، شعري انفجار ناعم… يضيء بلا ضجيج، أحمِل بین حروفي قوة الأعاصير، لكنها أعاصير تؤلف سمفونیتها الخاصة في مسامع وعیون مشاهدیها
لست مجرد كاتبة، بل مهندسة للعوالم الخفية التي تتدفقُ تحت جلد الواقع.
2.هل كان لثقافتك الكردية تأثير كبير على مسيرتك الأدبية؟ وكيف انعكست تلك الثقافة على شعرك؟
- نعم ٲكید آ ثقافتي الكردية هذه ليست مجرد خلفية في مسيرتي الأدبية، بل هي الوقود الذي يُشعل قصائدي فتأثير اللغة الكردیة كموسيقى خفية في النص.
أورثني أجدادي بُرغل القصائد.. فكيفَ أطبخها دون ملح دموعهم؟!
و ثقافتي الكردية ،هو الكتاب المقدس الشخصي الذي أقرأ منه كل يوم، لكني أُعيد كتابته بلغة تصل إلى القلب قبل العقل.
3-الترجمة جزء مهم من أعمالك. كيف تختارين النصوص التي تترجمينها؟ وهل هناك صعوبة في الترجمة بين اللغات المختلفة؟
الترجمة لیس جزء أساسي من عملي، لكنني بین حین والاخر أحرص على اختيار النصوص التي تقدم قيمة للقارئ
او مواد ثقافية أو أدبية لتعزيز التبادل بين اللغات.
اما بالنسبة للصعوبات اكید الاختلافات اللغوية في بعض اللغات لها تراكيب نحوية أو تعابير لا تُترجم حرفيا مثل الأمثال الشعبية، مما يتطلب تكييف المعنى ، وایضا سياق الثقافي أحيانا تحتاج الكلمات إلى شرح إضافي لأنها مرتبطة بثقافة محددة.
وٲنا احاول جاهدة بٲن أتعامل مع هذه التحديات بالاعتماد من خلال ادوات ترجمة و المراجعة المتكررة لمطابقة النص الأصلي.
4-لديك العديد من الإصدارات التي تتنوع بين الشعر والترجمات والقراءات النقدية. كيف تختارين المواضيع التي تكتبين عنها؟
-اختياري للمواضيع التي أكتب عنها (سواء في الشعر، الترجمات، أو القراءات النقدية) يعتمد على شغفي الشخصي و ما يثير فضولي أو يحدث صدى داخليا (قصيدة، فكرة فلسفية، نص يحمل بعد ثقافية) أكتب ما يلمس مشاعري أو يتحدى تصوري للغة والصورة، و أفضل النصوص التي تُظهر تنوعا ثقافيا أو فكريا.
5.ديوانك “ما تساقط من القلب” يحمل رسائل عاطفية عميقة، ما هي الرسالة التي أردتِ أن توصلينها من خلال هذا العمل؟
(ما تساقط من القلب) هو مرآة لعالم نحمله في صدورنا، عالم يصارع، يحلم، وينزف، لكنه لا يتوقف عن النبض. أردت للقارئ أن يجد في كل قصيدة إجابة عن سؤال لم يطرح، وجرحا لم يندمل، وفرحا لم يكتمل،حتى في نصوص الفراق، حاولت أن أزرع الأمل ،لان بعض الخيبات تمنحنا نضجا يفوق أعمارنا.
6.كيف ترين دور الشاعرة في تعزيز الوعي الاجتماعي والسياسي من خلال الأدب؟
- باختصار، ترى الشاعرة أن الأدب، وخاصة الشعر، ليس مجرد ترفيه أو تعبير عن الذات، بل هو أداة قوية للتغيير الاجتماعي والسياسي. من خلال كلماتها، تستطيع أن توقظ الضمائر، تحرك المشاعر، تفضح الظلم، وتبني الوعي اللازم لتحقيق مجتمع أكثر عدلاً وإنسانية.
7.كيف تصفين تجربتك في الكتابة النقدية؟ هل تجدين أن النقد يعزز أو يعيق العمل الأدبي؟
-تجربتي في الكتابة النقدية هي رحلة استكشافية للنصوص الأدبية، أهدف فيها إلى فهم بنيتها، سياقها، ورسائلها بعمق. أسعى من خلالها لتقديم رؤى موضوعية ومدعومة بالشواهد.
أؤمن بأن النقد البناء يمثل حوارا ضروريا مع العمل الأدبي، حيث يسهم في إبراز جمالياته وتحديد مواطن ضعفه، مما يفتح آفاقا جديدة أمام المبدع ويغني المشهد الأدبي، ففي المقابل، أرى أن النقد المتحيز أو الهدام يمكن أن يشكل عائقا أمام تطور الأدب، إذ يركز على التقليل من قيمة العمل بدلًا من فهمه وتقويمه بشكل بناء.
8.ما هي التحديات التي واجهتك خلال مسيرتك الأدبية؟
ولماذا اخترتِ الكتابة بلغة مزدوجة بين الكردية والعربية؟ وهل وجدتِ صعوبة في الانتقال بين هاتين اللغتين؟
- بالنسبة للتحديات اكید واجهت تحديات تتعلق بقلة الدعم المؤسسي والاعتراف الرسمي بالأدب الكردي في بعض السياقات، مما أثر على فرص النشر والتوزيع والوصول إلى جمهور أوسع، كما أن التوفيق بين الكتابة بلغتين مختلفتين يفرض عبئًا إضافيًا على صعيد إيجاد المنابر المناسبة لكل لغة وضمان وصول العمل إلى القراء المهتمين بكليهما.
اما لماذا الكتابة بلغة مزدوجة لقد اخترت الكتابة بالكردية والعربية انطلاقا من هويتي الثقافية واللغوية المتعددة. أرى في هذا التعدد مصدر قوة وثراء، وفرصة لإثراء كلتا اللغتين من خلال نقل التجارب والأفكار بينهما. الكتابة بلغتين تتيح لي التعبير عن جوانب مختلفة من تجربتي ووصول صوتي إلى شرائح أوسع من القراء.
اما جوابي لصعوبة الانتقال بين اللغتين، نعم فالانتقال بين اللغتین الكردية والعربية يمثل تحديا على المستويين اللغوي والثقافي. يتطلب وعيا دقيقا بالفروقات في البنية اللغوية و لأساليب التعبيرية، والمفاهيم الثقافية المتضمنة في كل لغة، ومع ذلك، أجد في هذا التحدي أيضا متعة وفرصة لتوسيع آفاقي الإبداعية وتطوير قدراتي اللغوية والتعبيرية، فإنها بمثابة رحلة مستمرة من التعلم والمواءمة.
9.ماذا تعني لكِ الجوائز والتكريمات التي حصلتِ عليها في مشوارك الأدبي؟
- الجوائز والتكريمات، أراها بمثابة اعتراف وتقدير للجهد الذي بذلته وللرسالة التي أحملها عبر كلماتي. إنها لحظات تبعث على الفخر وتؤكد لي أن صوتي يصل ويحدث صدى.
هذه الجوائز ليست مجرد شهادات أو رموز، بل هي دافع قوي للاستمرار في الكتابة والإبداع، وحافز لتقديم المزيد من الأعمال التي تلامس القلوب والعقول. كما أنها تمثل إلهاما للكتاب الآخرين، وخاصة الأصوات الأدبية الكردية، وتشجعهم على المضي قدما في طريقهم. والأهم من ذلك، تضع على عاتقي مسؤولية أكبر تجاه الأدب والقضايا التي أؤمن بها، وتدفعني لأن أكون صوتا للحق والجمال والإنسانية.
10.كيف تقيمين دور المرأة في الأدب العربي المعاصر؟ وهل تشعرين أن هناك تحسناً في تمثيلها؟
-أرى أن دور المرأة في الأدب العربي المعاصر حيوي ومتزايد الأهمية،الكاتبات يخضن غمار مواضيع كانت مهمشة أو محتكرة، ويقدمن رؤى جديدة وعميقة للعالم من منظورهن، إنهن يثرين الساحة الأدبية بتنوع في الأساليب والقصص والشخصيات النسائية التي تتجاوز الصورة النمطية.
أشعر أن هناك تحسنا ملحوظا في تمثيل المرأة، سواء ككاتبة أو كشخصية في الأعمال الأدبية. نرى الآن أصواتا نسائية قوية تتناول قضايا المرأة وهمومها الاجتماعية والسياسية والثقافية بجرأة وعمق ، ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلاً لتحقيق تمثيل كامل وعادل، وما زالت هناك تحديات تتعلق بالاعتراف النقدي والمؤسسي الكامل بأدب المرأة.
11.ما الذي تحرصين عليه أثناء تقديم ديوان جديد لجمهورك؟ هل تحبين أن تتركين طابعًا خاصًا في كل إصدار؟
-أحرص عند تقديم ديوان جديد على أن يكون صادقا ومعبرا عن مرحلة جديدة في تجربتي ووعيي. يهمني أن يلامس الديوان قلوب القراء وعقولهم، وأن يثير فيهم تساؤلات أو يقدم لهم رؤى مختلفة. كما أهتم بجودة اللغة والصورة الشعرية، وأن يكون الديوان متماسكا فنيا وفكريا.
نعم، أحب أن أترك طابعًا خاصًا في كل إصدار، لا أسعى لتكرار نفسي، بل أتطلع إلى استكشاف آفاق جديدة في كل ديوان، سواء على مستوى الموضوعات، الأساليب، أو حتى في تصميم الغلاف والعنوان، فكل ديوان يمثل رحلة فريدة، وأتمنى أن يشعر القارئ بهذا التميز والتطور في كل إصدار جديد.
12.كيف ترى سلوى حسين علي التفاعل بين الأدب الكردي والأدب العربي؟ وهل يمكن أن تتحدثي عن تجربتك الخاصة في هذا السياق؟
-أرى التفاعل بين الأدب الكردي والعربي ضروريا للإثراء المتبادل .
اما تجربتي الكتابية بلغتين هي تجسيد لهذا التفاعل، حيث أنقل الأفكار بينهما وأسعى لتعزيز التواصل الثقافي. هناك حاجة لمزيد من الترجمة والتبادل لتعميق هذا الحوار الأدبي.
13.مع تطور الملتقيات الشعرية العربية وانتشارها في مختلف البلدان، كيف تقيمين أهمية ملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد؟ وكيف يمكن لهذا الملتقى أن يسهم في تعزيز الثقافة الشعرية العربية على الصعيدين المحلي والعالمي؟
-أرى أن ملتقى الشعراء العرب، برئاسة الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد، يكتسب أهمية بالغة في المشهد الشعري العربي المعاصر لعدة أسباب:
۱- منصة جامعة للأصوات الشعرية، يوفر الملتقى فضاء حيويا يجمع شعراء من مختلف الأجيال والمدارس والبلدان العربية، مما يخلق حراكا شعريا وتبادلًا للخبرات والتجارب.
۲- تعزيز الحوار والتفاعل ،يسهم الملتقى في خلق حوارات نقدية وبناءة حول الشعر وقضاياه، ويعزز التفاعل بين الشعراء والجمهور، مما يثري الذائقة الشعرية.
۳- اكتشاف المواهب الجديدة، يمكن للملتقى أن يكون منصة مهمة لاكتشاف وتقديم الأصوات الشعرية الشابة والمواهب الصاعدة، ومنحها الفرصة للتعبير عن نفسها والوصول إلى جمهور أوسع.
و لكي يسهم هذا الملتقى في تعزيز الثقافة الشعرية العربية على الصعيدين المحلي والعالمي، يمكنه التركيز على:
١- توسيع نطاق المشاركةمن خلال استضافة شعراء من مختلف التيارات الشعرية وتنويع الأنشطة لتشمل قراءات، ندوات نقدية، ورش عمل، وفعاليات تفاعلية مع الجمهور.
٢- الاهتمام بالترجمة و تخصيص جزء من فعالياته لترجمة مختارات شعرية عربية إلى لغات عالمية، واستضافة شعراء ومترجمين من ثقافات أخرى لخلق حوار شعري عالمي.
٣- استخدام الوسائل الرقمية و الاستفادة القصوى من المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لبث فعاليات الملتقى والوصول إلى جمهور أوسع محليا وعالميا، وإنشاء أرشيف رقمي للشعراء المشاركين وأعمالهم.
٤-الشراكات الدولية و بناء شراكات مع مهرجانات وملتقيات شعرية دولية لتبادل الخبرات واستضافة شعراء عرب في فعاليات دولية والعكس.
٥- دعم النقد الجاد و تشجيع النقد الأدبي البناء المصاحب لفعاليات الملتقى، ونشر الدراسات النقدية التي تتناول الأعمال الشعرية المشاركة.
من خلال هذه الخطوات، يمكن لملتقى الشعراء العرب أن يلعب دورا محوريا في تنشيط المشهد الشعري العربي وتعزيز حضوره وتأثيره على المستوى العالمي.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
عضو بملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي