
قراءة في رواية ” في ديسمبر تنتهي كلّ الأحلام” للكتابة السعودية أثير عبد الله النشمي
بقلم: راضية عبد الحميد
الرواية من القطع المتوسط، وتقع في 184 صفحة. تدور أحداثها حول كاتب صحفي سعودي، كان شاباً جباناً ولا يقوَ على التحمُّل، يخضع لعادات مجتمعه المحافظ. كلِف حُبًّا بزميلته ليلى صاحبة الشخصيّة القويّة، المتمردّة الثائرة، وقرّر الزواج منها في حقبة التسعينات حيث حُرمت المرأة من عدّة حقوق تلك الفترة، ولكن هذا الحب لم يشأ له القدر أن يكتمل حتى يُثمر بسبب انحدار العائلتين من قبيلتين مختلفين، ترى عشيرة هذام أن ليلى لا تُناسبه قبائلياً، ممّا حدث وأن اختلف الشاب مع عشيرته لأجل حبيبته وقاوم كلّ الناس إلى أن وصل لمرحلة أن يختار بين عائلته وبين امرأته! وما أقسى أن تختار بين من تُحب.
وقد صوّرت لنا الكاتبة مشاعر هذام بأسلوب شاعري ينزف له القلب دمًا، أصعب ما في الحب أن يصطدم قلبين بسخافة المجتمع وتقاليده، يُردد هذام في الرواية إذ يقول: “ليس من السهل أن ترتبط عاداتك بالطرف الآخر، لأن تلك العادات تُعذبنا بعدما ننفصل نحن عمّن نّحب…عادة التفاصيل هي التي تشُّدنا، هي التي تُبهرنا، وأنا رجل يعشق التفاصيل الصغيرة”
لا شك أن الوقوع في الحب صعب ولكن يبقى الفراق مُميت.
مرارة أن لا تستطيع تغيير الواقع، والأمرّ أن تتخلّى عن كلّ ما تنتمي إليه وينتمي إليك، الوطن، الأهل، المجتمع، العشيرة، تتجرّد من هذه الأشياء لحدّ أن تُقاطع من أحبابك وتُطرد من المنزل لأنك تبحث عن الحياة التي تريدها ولا تجدها.
قرّر هذام الرحيل إلى لندن للبحث عن الحياة، ليتحرر من حالة الجبن والهوان التي تعتريه، يبحث عن الانتماء الراسخ ويبتعد عن البيئة المُستعبدة اجتماعيًا، ترك كلّ شيء خلفه دون أن يُودّع أحد أو يلتفت إلى شيء. يقول ” في ديسمبر تنتهي كلّ الأحلام، وفي يناير يبتدىء حلم جديد…بدأت حياة جديدة لا تُشابه حياتي السابقة بشيء!
ذهب ليصبح حرّ ويبحث عن الحياة التي يستحقها وإذا به ينغمس في الشهوات والمُحرمات، فيجد نفسه يعيش مشاعر مُتضاربة، إنسان أجبن مِمّا كان عليه سابقا، لا يعي ما يفعل، ولا يعلم ماذا يريد، وبينما يتخبّط في حلقة التوهان يلتقي بوّلادة المرأة العراقية التي غيّرت مجرى حياته والتي هي الأخرى هجرت بلدها بسبب حب شاب من غير ديانتها، امرأة متحررة، بلا قيود لا تعترف بالدين ولا بالعادات! حيث تبدأ قصّتهما ويعيشان الملذّات وتكون النهاية عكس ما توّقع هذام، إذ غادره كل شيء، حتى ولادة!
طرحت الكاتبة موضوعا في غاية الأهمية، وهو اختلاف تقاليد العشائر وعدم توافق الأعراف القبلية ولكنها لم تتعمق فيه، أحداث سريعة وضعيفة، شخصيات محدودة، وتفاصيل صغيرة، كما غلب على الرواية طابع الحوار. ما شدّني للرواية هو أسلوب الكاتبة البسيط والمختلف ولُغتها الجميلة ما يجعل القارىء يُكمل القراءة رغم قِلّة الأحداث، فقد استطاعت أن تُصوّر لنا ما يختلج النفس البشرية من أحاسيس جيّاشة مدفونة ولا بُدّ لها أن ترى النور!
كانت بارعة في نقل مشاعر هذام بطريقة جريئة، انتقت مفرداتها بعناية وهذا دليل على تمكُّنها من ترك أثر يُلامس الروح والقلب.
عنوان الرواية مُلفت ويطرح عدة تساؤلات، هل حقًا تنتهي الأحلام في ديسمبر، أم أنه مجرد شهر مُخيّب للآمال؟ يغادرنا نهاية العام مُخلّفًا وراءه أماني لم تتحقق، تشوّهات نفسية ونُدوب كثيرة.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي