
قراءة في ديوان ” خلف حدود الشمس ” للشاعرة ليلى بيز المشغرية اللبنانية المقيمة في الولايات المتحده
خلف حدود الشمس .. عنوان يعكس الترفع والسمو والإشارة إلى مكان لا يطاله أيّ كان .. هو مكان يتخطى مخاطر الشمس ليكون في السّلام والسّهى.
هذا الديوان فيه الكثير من المديح والثناء والتبجيل والتهليل والقصائد قد تنوّعت بين الوجدانيات والمديح والعاطفة الوطنية .
لم تتكلم فيه عن العشق المعروف بين رجل وامرأة بل تخطّت الشاعرة ذلك لعشق أسمى ألا وهو عشق الوطن وقضيته والرموز الثائرة على مرّ العصور الإسلامية والحالية فقد حاولت بذلك أن توثّق حقبة صعبة عايشها أبناء وطنها وكأنّها كانت تخشى أن تمرّ مرور الكرام وينساها التاريخ فجاء ديوانها هذا بمثابة وثائقي ووفاء لشخصية ثائرة مناضلة كان لها الدور في الدفاع والمقاومة والتمسك بالقضية الفلسطينية فكان للسيد نصرالله النصيب في أن يكون مصدر الإلهام ومصبّ إهداء هذا الديوان .
لذلك فإن المديح والثناء والتغني كان النوع المهيمن على القصائد التي أظهرت بشكل واضح توجه الكاتبة ودينها وانتماءها من خلال الرموز التي ذكرتها .سواء إن كانت الفقهية أو الدينية أو السياسية.
لذلك كانت القصائد الغالبة هي احتفاء بأنوار الدين والإسلام وقد عبّرت عن ذلك في ” سنبلة الولاية” وتسمية السنبلة المليئة بالخير والبركة والتكاثر كما في ولادة سيد الشهداء ” نور الحسين”
هذا الديوان فيه التمجيد والمديح لكل من اعتبرتهم الشاعرة قدوة في التاريخ من شخصيات نضاليّة وثورية كانت مدافعة عن الحق ولم تجنح للخضوع والذّل فجاء نص ” نور العدالة ” والمقصود الإمام علي الذي اعتبر هو الأعدل في التاريخ وفق توثيق وإعلان منظمة الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان في نيويورك والتي أصدرت قرارها التاريخي عام 2002 ونصّه : يعتبر خليفة المسلمين علي بن ابي طالب أعدل حاكم ظهر في تاريخ البشر مستندة إلى وثائق شملت ١٦٠ صفحة باللغة الإنجليزية. كما على واجهة عمارة شاهقة في الصين قد وضعت العبارة الشهيرة للإمام علي ” لو كان الفقر رجلا لقتلته” هنا تأكيد على دقة نسب صفة العدالة ونورها كما جاء في العنوان الذي اختارته الكاتبة .
كما الشاعرة قد تطرأت إلى رموز فقهية في قصيدتها ” فضل الله” هذا المرجع الكبير والمثقف والعالم الذي جعل مسائله الفقهية متماشية مع العصر والحياة كما أنّه أنار العقول بطريقة الإنفتاح والوعي والبعد عن التعصب لذلك قد جعل الدين في تنيير وتسهيل أمور الحياة وليس تعقيدها
دون شك أن هناك الكثير أيضا من الشخصيات والأسماء التي مرّت وناضلت في التاريخ العربي والقومي كجمال عبد الناصر وتشي غيفارا والإمام موسى الصدر وغيرهم لكن أرادت أن تضيء الكاتبة على شخصية جديدة عايشت جيلها ومسيرتها وتعلقت بها واختارت الإهداء لها فبالرغم من كل الشخصيات والأسماء التي ذكرتها ومدحتها في ديوانها إلا أن السيد نصر الله قد اعتبرته ” أيقونة الحياة” وهذا يعبّر عن العاطفة والفخر وما تكنّه له وكأن في ضميرها قد اعتبرته في مقام الأئمة .. ولم يخلو أسلوبها والحقل المعجمي الحرقة والحزم واللوعة الممزوجة بالمجد والعزّة .ودون شك بأن القصائد عن نصر الله قد تفاوتت بالمضمون قبل الإستشهاد وبعده ففي البدء كانت تتغنى بما كان يبثّه السيد من عزيمة وحماس وكانت تتغنى ببطولاته وبعد شيوع خبر الإستشهاد نجد الإنكار وعدم التصديق لما يشاع فتقول : ” غدا ستطل عليهم …” أما بعد التأكد من هذا الخبر نجد اسلوب التشتت الفكري والوجدانية والمواساة بأن الشهداء يخلدون ولا يموتون ..بل يرتفعون إلى خلف حدود الشمس فكان العنوان .
أما الأسلوب الوطني والوجداني لم يغب عن القصائد ..وكيف يغيب والوطن هو انتماء وترابط عاطفي لا ينقطع رغم الغربة التي تعيش فيها الشاعرة , حتى في الوقت الذي لم تستطع فيه الشاعرة أن تحمل بندقية وتدافع عن أرض وطنها فحملت قلمًا ولسانا بليغا يحقق ما لم يكن السيف يحققه في نقل الفكرة للأجيال ولتوثيق التاريخ ولنشر فكر وثقافة رسخّت على مرّ السنين.
وفي سطور الكاتبة يتجلى النَفس اللاّفح من الحنين والشوق واللوعة والتمني ولعلّ ذلك يعود لسبب الغربة حيث يعلو مشير الإشتياق ولطالما تغنّى الشعراء بالوطن فلا ننسى قصيدة احمد شوقي” بلادي بلادي” التي صارت نشيدا وابن الرومي الذي يقول”ولي وطن آليت ألاّ أبيعه ” وقصيدة مفدّى زكريا ” بلادي احبك فوق الظنون” وحافظ إبراهيم وغيرهم ..
كما أجادت في التعبير عن المعاناة عمّا يدور في الوطن لبنان وفلسطين التي اسمتها البلاد الخضراء التي فيها كان مهد عيسى المسيح ومبعث النور .. وفي سياق القراءة عن فلسطين وحديث الحجر وأظنها كانت تعني ” اطفال الحجارة” والمقاومة المتجذرة في روح الشعب الفلسطيني من كبيرهم إلى صغيرهم والذين قاوموا بكل ما أوتوا من قوة .
وهذا منحى كل طالب حق كما يقول محمود درويش : وليس الوطن أرضا ولكنّه الأرض والحق معا “
كذلك تطرأت وأشارت إلى الحقوق المهدورة للطفولة وإلى غياب فاضح لكل المنظمات التي تجاهر بحقوق الطفل والتي تسكت أمام المجازر التي تُرتكب بحق الطفل والإنسان .والحرب الضروس التي شهدها لبنان وفلسطين كانت خير شاهد على ذلك .
أما النقد للواقع السياسي برمتّه في الوطن العربي فقد صيغ عبر سؤال أين العروبة ؟ وهنا لا يخفى على أحد تخاذل بل تعاون الكثير من العرب مع العدو والرضوخ لرغباته من أجل الحفاظ على مصالحهم .
وفي استفهام آخر فيه الكثير من التهكم والسخرية المضمرة مع الغضب عندما قالت : أهذا هو الإستقلال؟
بالطبع لا يا صديقتي فالإستقلال ليس بندا أو وثيقة على الورق بل هو التحرر من كل التبعية والطائفية والتحرر من كل قيود تحجبنا عن التفهم والإنفتاح على الآخر .. الإستقلال هو سيادة وحريّة وانتماء إلى الوطن وحده وليس بتنفيذ أجندات خارجية .
ديوان ” خلف حدود الشمس ” يعرّف بطريقة أو بأخرى عن بيئة الشاعرة مبادئها انتمائها وفكرها السياسي ومتابعتها للأحداث والتأثر فيها وبويلاتها والتي أدت إلى خسارة كبرى في مسيرة النضال والمقاومة لذلك كانت المناسبة لأن يرى هذا المولود النور .
على أمل أن تكون هناك ولادات جديدة توثّق ضحكة طفل وأمل أم ولمّ شمل عائلة واحتضان شعب وإنقاذه من النفق ليصل إلى حدود الشمس بطموحه وتحقيق آماله.
والرحمة لكل الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الحق والوطن فكانوا في عليين .
آمنة محمد ناصر
السبت ١٩ نيسان ٢٠٢٥
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي