حوار مع الدكتورة هدى المعدراني
مقدمة بقلم رئيس التحرير:
في 21 نيسان 2025
بين الكلمة والفكرة، وبين السرد والتحليل، تنسج الدكتورة هدى مجيد المعدراني عالماً خاصاً تتقاطع فيه العلوم التربوية بالرؤية النقدية، وتمتد جذوره في عمق الهوية اللبنانية والعربية. هي الباحثة التي لم تأسرها جدران الجامعة، بل خرجت إلى حقول التدريب والتعليم والمشاركة الثقافية، متجاوزة حدود الأكاديمية إلى فضاء الأدب والفكر.
من الدلهميّة، القرية الصغيرة في لبنان، التي شهدت مولدها الأدبي والفكري، إلى قاعات المؤتمرات وندوات النقد، أثبتت حضورها بكفاءة علمية رصينة، وإنسانية شفيفة. التقيناها في هذا الحوار الذي نستعرض فيه أبرز محطات سيرتها ومسيرتها، ونتوقّف معها عند مفاتيح النجاح، وجماليات الالتزام، وهموم المشهد الثقافي العربي المعاصر.
الحوار:
- بداية دكتورة هدى، كيف تصفين بداياتك مع اللغة والتعليم؟
بداياتي مع اللغة والتعليم تمثل البداية الأولى لتشكيل الإنسان معرفيًّا واجتماعيًّا. منذ لحظة الولادة، يبدأ الإنسان عمليّة تعلّم تلقائيّة عبر تفاعله مع محيطه الاجتماعيّ والبيئيّ. اللغة هنا لا تقتصر على كونها وسيلة للتخاطب، بل هي أداة تفكير ووسيلة للتعبير عن الوعي، وهي شرط رئيس لهذا الوعي. كما تشكّل اللغة بنية أساسيّة للكينونة الإنسانيّة، وتعدّ أداة مركزية في تشكيل الفكر والتفاعل الاجتماعيّ.
التعليم، من هذا المنطلق، ليس مجرد نقل معرفة، بل هو ممارسة ثقافيّة تهدف إلى تطوير اللغة وتعزيز الوعي بها كأداة للتفكير النقديّ. حين تتراجع اللغة، يتراجع الوعي، ما يعوّق الإبداع وتقدم المجتمع. التعليم إذًا هو شرط أساسيّ لأيّ نهوض حضاريّ.
لعل تجربتي الشخصية مع التعليم تعد امتدادًا لهذا الفهم، حيث كنت دائمًا أعدّ التعليم أكثر من مهنة؛ كان فعلًا إبداعيًا وتواصليًا، يتجاوز حدود العمل الوظيفيّ ليصبح فعلًا ثقافيًا يؤثر في الأفراد والمجتمعات. التعليم ليس مجرد وظيفة بل هو التزام ورسالة تتطلب شغفًا وحبًّا حقيقيًّا لما يقدمه المعلم.
وهكذا، لم يكن التعليم يومًا مرهقًا بالنسبة إليّ، ولم أقم به مرّة نتيجة ملل أو ضجر. كنت وما زلت أشعر، وأنا في غرفة الصف، كأنّني على مسرح الحياة أقدّم أجمل عرض وأصدقه وأحبّه إلى قلبي. لعلّ التعليم يبدأ بوصفه حرفة أو عملًا، لكنّه سرعان ما يتحوّل إلى فن لأنّ المعلم يشعر بأنّه مبدع يستثمر في أفضل مخلوقات الله من خلال إعداد أجيال ناجحة. - ما الذي دفعك لدراسة اللغتين العربية والإنجليزية معًا؟ وهل وجدتِ تكاملاً بينهما؟
يعدّ تعلّم اللغات أساسًا لتوسيع آفاق الإنسان الفكريّة والثقافيّة، إذ يسهم في تعزيز التفاعل الحضاريّ بين الشعوب ويفتح نوافذ للاطلاع على عوالم جديدة من العادات والتقاليد. اللغة الإنجليزية، كونها لغة عالميّة، تتيح الوصول إلى أحدث الإنتاجات العلميّة والأدبيّة، ما يعزّز البحث الأكاديميّ والتفكير النقديّ. أمّا اللغة العربيّة، فهي تعبير عن حضارة غنيّة ومرتبطة بالتراث الإنسانيّ، وإتقانها يُعمّق الفهم للسياقات الثقافيّة والاجتماعيّة التي تشكل الهويّة العربيّة. بشكل عام، يُسهم تعدد اللغات في توطيد المرونة المعرفية، ويزيد القدرة على التكيّف مع الأفكار الجديدة، ما ينمّي القدرة على المشاركة في الحوار الحضاريّ العالميّ.
ومن الصادق قوله: إنّنا نتعلم بغية الفائدة، لقد كان السعي إلى العمل الدافع الأساس لتعلمي الإنكليزيّة، وكانت مفتاح نجاحي في التعليم والتدريب ومثّلت انطلاقة مهمة نحو آفاق واسعة ، أمّا العربيّة فجاءت ترجمة لحبّي الكبير لهذه اللغة العظيمة. - حصلتِ على بكالوريا تعليمية في اختصاص الروضة، كيف ساعدك هذا التخصص في تكوين رؤيتك التربوية؟
كان اختياري لتخصص رياض الأطفال دافعًا عمليًّا للانخراط في مهنة التعليم بوصفها تجربة معيشة وتفاعل، لا مجرد مجال معرفي. وقد عمّقت تجربتي الأولى في مرحلة الطفولة المبكرة وعيي بطبيعة التعليم بوصفه عملية بنائية تُؤسس لتشكّل الذات. لاحقًا، أتاح لي التدريس في مختلف المراحل الدراسية فهمًا أشمل لتطوّر المتعلّمين، والتعامل مع حاجاتهم النمائيّة والمعرفيّة عبر مراحل النمو المتعاقبة. هذا التراكم الخبراتي جعلني أرى التعليم منظومة ديناميّة تستلزم تكييف الطرائق وفق خصائص المتعلّمين وحاجاتهم، وعدّه ممارسة متكاملة تتجاوز حدود المحتوى لتُركّز على كيفيّة تقديمه بما يحقق ممارسة تربوية حقيقيّة ناجعة. - كيف أثّر الماجستير والدكتوراه في رؤيتك للنقد والسرد العربي؟
لقد مثّل التكوين الأكاديميّ في مرحلتي الماجستير والدكتوراه نقطة تحوّل في تشكّل رؤيتي النقديّة للسرد العربيّ، إذ لم يعد النصّ مجرد مادّة للمتعة، بل غدا بنية ثقافيّة معقّدة تتطلب تأويلًا متعدّد المقاربات. أتاح لي هذا التكوين اكتساب أدوات منهجيّة تعمّق الفهم وتُثري التفاعل مع الإشكاليّات السرديّة من منظور تحليليّ. كما رسّخ لديّ وعيًا بأنّ الشهادة لا تمثّل غاية، بل بداية لمسار علميّ يتطلب تعلّمًا مستمرًا ومساهمة مسؤولة في إنتاج المعرفة، حيث يصبح النقد فعلًا وجوديًّا يجمع بين التأمّل والإبداع. - رسالتك في الدكتوراه تناولت الرواية اللبنانية، ما أبرز ما توصلت إليه من خلال هذا البحث؟
تناولتُ في أطروحة الدكتوراه تحوّلات الرواية اللبنانية بين عامي 1995 و2005، وهي مرحلة تلت الحرب الأهلية وشهدت تحوّلًا سرديًّا ملحوظًا عكس اشتباكًا عميقًا مع أسئلة الذاكرة والهوية والتجريب الفني. أظهرت الدراسة أنّ الرواية اللبنانية تجاوزت التوثيق إلى مساءلة الواقع وتفكيكه، واعتمدت أساليب سرديّة جديدة، منفتحة على البُعد الجماليّ والكونيّ في آنٍ معًا. هذا الانفتاح جعلها تتفاعل مع قضايا إنسانيّة عابرة للحدود، ما منحها بعدًا حداثيًّا يتجاوز المحلي ويعبّر عن وعي نقديّ حيّ بالحياة والكتابة معًا. - عملتِ في مراحل تعليمية متنوّعة، من الروضة حتى الجامعة، كيف تقارنين بين هذه التجارب؟
أتاح لي العمل في مراحل تعليميّة مختلفة، من الروضة إلى الجامعة، تكوين رؤية شموليّة للتعليم، تقوم على فهم عميق لتطوّر المتعلم عبر الزمن، وضرورة تكييف الخطاب التربوي مع حاجاته المتغيّرة. كشفت لي هذه التجربة المتنوّعة أنّ التعليم لا يقتصر على نقل المعرفة، بل هو فعل تكوينيّ يمسّ الذات والعقل معًا، ويستلزم من المعلم مرونة عالية وذكاء تربويًّا يواكب كلّ مرحلة. ومن خلال هذا المسار، بات التعليم بالنسبة إليّ رحلة مستمرة لتشكيل الذات، يُعاد فيها اكتشاف المعنى التربويّ والإنسانيّ لكل لحظة تعلم. - ما الذي تغيّر في أساليب التعليم الجامعي بين عامي 2011 و2025 برأيك؟
شهد التعليم الجامعيّ بين عامي 2011 و2025 تحوّلًا جذريًّا في بنيته وطرائقه، نتيجة التفاعل مع التحوّلات الرقميّة والثقافيّة المتسارعة، خاصة بعد تجربة التعليم من بُعد التي أعادت تشكيل العلاقة بين الأستاذ والطالب، والمعرفة ووسائطها. لم يعد التعلّم محصورًا في القاعات أو الكتب، بل انفتح على بيئات رقميّة متعدّدة دفعت نحو مراجعة شاملة للممارسات التقليديّة، واعتماد أساليب تفاعليّة مرنة تعزّز التفكير النقديّ والتعلم الذاتيّ. وبفعل هذا التحوّل، تغيّرت معايير الجودة التعليميّة، وأصبح الفضاء الرقمي امتدادًا حيويًا للتجربة الجامعيّة، لا مجرد بديل طارئ عنها. - ما أبرز التحدّيات التي واجهتكِ كأستاذة جامعية في الجامعة اللبنانية؟
يحمل العمل في الجامعة اللبنانية خصوصيّة نابعة من تنوّعها الثقافيّ والاجتماعيّ، ما يجعل من التجربة التعليميّة فيها أكثر من مجرّد نقل للمعرفة، بل فعلًا إنسانيًّا يتطلّب من الأستاذ احتضان الاختلاف وتحويله إلى طاقة حوار وتفاعل. في ظلّ تفاوت الخلفيّات بين الطلاب وظروفهم المعيشيّة القاسيّة، بات على الأستاذ أن يوسّع أدواره لتشمل الرعاية النفسيّة والاجتماعيّة، وأن يواجه تحدّيات البنية التحتيّة والضغوط السياسيّة بمزيد من الحياد الأكاديميّ والانفتاح. وعلى الرغم من الصعوبات، شكّلت هذه التجربة مساحة غنيّة لصقل وعي تربويّ ملتزم، يرى في الجامعة مجالًا لتكريس القيم، وتعزيز الانتماء الوطنيّ، وبناء المشترك الإنسانيّ. - قمتِ بتدريب مئات المعلمين، ما المهارة التي ترين أنها الأهم لدى المعلّم في القرن الواحد والعشرين؟
لم تعد مهمّة المعلّم في القرن الحادي والعشرين محصورة في نقل المعرفة، أو تيسير الأنشطة، بل أصبحت فعلًا تربويًّا متكاملًا يتداخل فيه البعد الإنسانيّ مع التكنولوجيّ، والمعرفيّ مع القيميّ، فالمعلم اليوم يصوغ علاقته بالمتعلمين على أساس الفهم والتعاطف، ويواكب تحوّلات الواقع باستجابة شاملة تأخذ في الحسبان حاجاتهم المتنوعة وظروفهم المختلفة. ولم تعد المهارات التقنيّة كافية ما لم تُدعَم برؤية تربويّة عميقة تنظر إلى التعليم بوصفه مسارًا لبناء الإنسان في كليّته، عبر بيئة تعليميّة منفتحة، تفاعليّة، وشاملة. من هنا، يغدو المعلم صانعًا للتكوين أكثر منه ناقلًا للمعلومة، يحمل رسالة تتجاوز الصف إلى الحياة ذاتها. - شاركتِ في إعداد دروس دعم تربوي، ما الذي يحتاجه منهجنا اليوم ليصبح أكثر فاعلية؟
تتطلّب فعالية المنهج التعليميّ اليوم تجاوز التصوّر التقنيّ الضيّق إلى مقاربة شاملة ترى في المنهج مشروعًا إنسانيًّا متكاملاً، يعكس تفاعل المتعلّم مع محيطه الثقافيّ والاجتماعيّ. لا يُبنى المنهج المعاصر على تجزئة المعرفةّ، بل على فهم المتعلّم واحتياجاته، في تفاعل جدليّ مع واقعه. ولكي يكون المنهج فاعلًا، لا بد من أن ينطلق من خصوصيّات البيئة المحليّة، من دون أن ينغلق على العالميّ، وأن يُصاغ بمشاركة المعلمين باعتبارهم صلة الوصل الحقيقيّة بين النظريّة والتطبيق. كما ينبغي أن يُبنى على رؤية تكامليّة للإنسان، ويعتمد آليات تطوير مرنة تواكب التحوّلات، ليغدو التعليم مسارًا لصناعة المعنى، لا تلقينًا للمحتوى، ومساحة لتكوين مواطن فاعل في مجتمعه وفي العالم. - إلى أي مدى استفدتِ من الدورات التدريبيّة في التعليم الحديث والتعلّم الاجتماعي الانفعالي؟
لقد أثّرت مشاركتي في الدورات االتدريبيّة حول التعليم الحديث والتعلّم الاجتماعي الانفعالي بعمق في رؤيتي للتعليم، إذ غيّرت جذريًّا أسلوبي التربويّ والشخصيّ، أدركت أنّ التعليم الفعّال لا يُختزل في تنمية المهارات المعرفيّة فحسب، بل يتطلّب عناية بالجانب الانفعاليّ والاجتماعيّ للمتعلّم، لما لذلك من أثر مباشر في قدرته على التعلّم ونموّه الشامل. وقد انعكس هذا الوعي الجديد على ممارستي الصفيّة وأبحاثي الأكاديمية، حيث سعيت إلى دمج البعد الاجتماعي والانفعالي ضمن طرائق التدريس وتحليل النصوص، كما أسهم في تعزيز مهاراتي الحياتيّة والتواصليّة، ما عمّق قناعتي بأنّ بناء الإنسان المتكامل هو جوهر العمليّة التربويّة. - عملتِ في الكلية الحربية اللبنانية، كيف كانت تلك التجربة المختلفة؟
تُعدّ تجربتي التعليميّة في الكليّة الحربيّة اللبنانيّة تجربة استثنائيّة، إذ أتاحت لي العمل ضمن بيئة تتسم بالانضباط والالتزام الوطنيّ العميق، وتفاعل مباشر مع نخبة من الطلاب الذين يُعدّون عماد مستقبل الوطن في الدفاع والأمن. في هذا السياق، لم يكن التعليم مقتصرًا على البعد الأكاديميّ، بل تداخلت فيه أبعاد قيميّة ووطنيّة أساسيّة، تُرسّخ مبادئ الولاء والمسؤوليّة. عمّقت هذه التجربة فهمي لدور التعليم في دعم المؤسّسات السياديّة، وكشفت عن جديّة الدولة في تكوين ضباط يمتلكون كفاءة علميّة ومهنيّة متكاملة. كما رسّخت قناعتي بضرورة انخراط الأكاديميّين في دعم المؤسّسة العسكريّة، وفاءً لما تمثّله من رمزيّة وطنيّة وركيزة أساسيّة في حماية لبنان وصون وحدته. - لك حضور فاعل في المجلات الأكاديمية، كيف تنظرين إلى واقع البحث العلمي في الجامعات العربية؟
يُظهر واقع البحث العلمي في الجامعات العربية سعيًا جادًّا إلى التقدّم ومواكبة التطوّر العالميّ، مع إرساء التعاون والتبادل المعرفيّ بين الجامعات العربيّة. يتمثل ذلك في المشاركة الفاعلة في المؤتمرات الأكاديميّة وتقييم البحوث بين الجامعات، ما يعكس اهتمام الأساتذة بتحقيق معايير البحث العلميّ الحديثة. - شاركتِ في لجان أكاديمية مختلفة، كيف تقيّمين دور هذه اللجان في الارتقاء بالجامعة؟
تُسهم اللجان الأكاديميّة بشكل فاعل في تطوير الجامعة من خلال دورها الحيويّ في استجابتها للتطوّرات الأكاديميّة والإداريّة. في الجامعة اللبنانية، تعمل هذه اللجان وفقًا للنظام الداخليّ وتشكّل دورًا مهمًّا في تنظيم المشاريع الأكاديمية وتقييمها، مثل لجان قبول مشاريع الماستر والدكتوراه في كلية الآداب. تقوم هذه اللجان بدراسة المشاريع المقدمة وتوجيه الطلاب لتحسين أبحاثهم، وهذا يتطلب وقتًا وجهدًا، إلّا أن أعضاء اللجنة يتميّزون بالالتزام وحبّ العمل الأكاديميّ، ما يسهم في رفع جودة البحث العلميّ في الجامعة. - صدر لكِ كتاب عن الهوية والانتماء في الرواية، ما الذي يجعل الهوية موضوعًا متجددًا؟
تعدُّ الهوية موضوعًا متجددًا لأنها تتعلق بفهم الذات والآخر والشعور بالانتماء، وهو أمر مستمر طالما الإنسان موجود. الكتابة عن الهوية تعني استكشاف الخيارات والاتجاهات الثقافية والفكرية. وبما أنها قضية فلسفية وفكرية واجتماعية ونفسية وأدبية، فإنها تتجدد بتجدد الفكر والتجربة الإنسانية. - كيف ترين العلاقة بين السرد والواقع في الروايات النسائية العربية؟
لا أؤمن بالفصل بين الرواية النسائية والذكورية. أقيّم الرواية بناءً على تميّزها وجديدها بصرف النظر عن جنس الكاتب. ولكن إذا كان المقصود بالرواية النسائية الأعمال التي تكتبها النساء، فإنّ الروائيّات العربيات أثبتن تفوّقًا ملحوظًا في هذا المجال، مثل الروائيّة اللبنانيّة هدى بركات التي فازت بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن روايتها هند أو أجمل امرأة في العالم الصادرة عن دار الآداب العام 2024. التميّز لا يرتبط بالجنس أو العرق، بل هو ناتج عن تفاعل الكاتب مع العالم وتقديمه رؤيته الخاصة. في ما يتعلق بالعلاقة بين السرد والواقع في الروايات النسائية، فهي مشابهة لتلك الموجودة في الروايات بشكل عام، حيث يتناول الكتّاب مواضيع مستمدّة من الواقع أو الخيال، ويختار كلّ كاتب أو كاتبة الطرق التي تناسب تجربته وقدراته. - من خلال كتابك البنيوي عن قصيدة محمود درويش، هل تعتقدين أن النقد الألسني لا يزال صالحًا؟
النقد الألسني، بما في ذلك البنيوية، لا يزال صالحًا إذا تم اختياره وفقًا لملاءمته للنصّ والموضوع. يعتمد المنهج البنيوي على تحليل النص داخليًا من خلال مكوّنات اللغة وعلاقاتها للوصول إلى دلالة النصّ بعيدًا من الذاتية. لذلك، يبقى هذا المنهج أساسًا في أيّ تحليل نقديّ موضوعيّ. - شاركتِ في ملتقيات عربيّة متعددة، ما الفائدة التي يجنيها الأكاديمي من هذه المشاركات؟
تسهم الملتقيات الإلكترونية في تمتين التواصل بين الأكاديميّين من مختلف التخصّصات، ما يحفّز تبادل المعرفة، والحوار الفكري، والتثاقف، ويتيح فرصًا للتعلم المشترك والنقاش البناء. - نشرتِ العديد من المقالات النقدية، هل لك طقوس خاصة في الكتابة؟
عندما تختار طريقًا ما، احرص على أن تترك أثرًا جميلًا فيه اقتداء بالحديث الشريف ” إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه”. بما أنّني أستاذة جامعية لا بدّ من أن تكون القراءة والكتابة صفتين ملازمتين لي. أرى القراءة والكتابة جزءًا أساسيًّا من حياتي الأكاديمية، ولا أستطيع الاستغناء عنهما. لذا، أخصص الساعات الصباحية للقراءة والكتابة، وأواصل مطالعة الكتب وتحضير الأعمال الجامعيّة في الليل، حرصًا على تحسين مهاراتي الأكاديميّة وترك أثر إيجابي في مجالي. - ما رأيك بالحدود بين النقد الأكاديمي والنقد الصحافي أو الثقافي العام؟
يجب أن يكون النقد، بصرف النظر عن نوعه، موضوعيًّا. لكنّ النقد الأكاديمي يتميّز بمصداقيّته لأنّه لا يسعى إلى المسايرة، بل يهدف إلى تحسين الأدب وتطويره من خلال دراسة معمّقة تعتمد الدقّة والمنهجيّة. بينما يقدّم النقد الصحافيّ عادةً مقاربة عامة لا تتناول الموضوع بعمق، وهو موجه للقارئ العادي، في حين أنّ النقد الأكاديميّ يستهدف القارئ النموذجي، ويعتمد في أغلب الأحيان على منهجيّات بحثيّة دقيقة. - كيف تنظرين إلى واقع المرأة المثقّفة في لبنان والعالم العربي اليوم؟
في عصرنا الحالي، لا أرى فارقًا بين المرأة والرجل من حيث الثقافة والإسهام في المجتمع. مع انتشار العلم وتوسّع آفاق المعرفة في العالم العربيّ، أصبح كلاهما، الرجل والمرأة، يسعيان إلى تطوير الذات والمساهمة في تقدّم المجتمع. وقد ساعدت العولمة في تعزيز التواصل والتبادل الثقافيّ بين المجتمعات، ما يعود بالنفع على الجميع. المرأة المثقفة، مثل الرجل المثقف، تشكل عنصرًا أساسيًا في تطور المجتمعات وازدهار الأوطان، والمجتمع يعترف بقيمتها ويقدرها. - أيّ نوع من القرّاء تتمنين أن يطالع كتاباتك؟
أسعى في كتاباتي إلى مخاطبة جمهور واسع ومتنوّع من القرّاء، لأنّني أؤمن بأنّ إحدى الوظائف الجوهريّة للكتابة هي نشر الأفكار وإثراء الحوار الفكريّ. ومع ذلك، فإنّني أدرك أنّ بعض النصوص، وبخاصة تلك التي تنتمي إلى حقل النقد الأدبيّ أو الفكريّ، تتوجّه بطبيعتها نحو قارئ متخصّص يمتلك حساسيّة نقديّة وخلفيّة معرفيّة تتيح له التفاعل مع التحليلات المعمّقة والرؤى المركّبة.
لا تكتفي الكتابة النقديّة بسرد الأفكار أو تقديم المعلومات، بل تتطلّب حفرًا أعمق في النصوص والظواهر الثقافيّة، ما يجعلها حوارًا فكريًا مع قارئ قادر على استيعاب المفاهيم المجرّدة، وربط الأنساق الفكريّة، وتفكيك الخطابات. وهذا لا يعني إقصاء القارئ غير المتخصّص، بل يشير إلى أن بعض النصوص تحتاج إلى قارئ يمتلك أدوات تحليليّة تمكّنه من استكشاف طبقات المعنى الكامنة وراء السطح.
لذلك، أحاول في كتاباتي تحقيق توازن بين الوضوح والعمق، بحيث تكون الأفكار في متناول القارئ العام من دون التضحية بالدقّة الأكاديميّة أو العمق النقديّ حينما يكون الجمهور المستهدف من المختصّين أو المثقفين المهتمين، فالفكر الحقيقيّ لا ينغلق على نفسه، بل يظل منفتحًا على كلّ قارئ شغوف، مع الحفاظ على خصوصيّته المعرفية حينما يتطلب السياق ذلك. - من بين خبراتك العديدة، ما التجربة الأقرب إلى قلبك؟
كل تجربة خضتها كانت نابعة من اقتناعي العميق وحبي لها، لذلك لا يمكنني تحديد تجربة واحدة فقط. التعليم بالنسبة إليّ هو شغف، والتدريب هو وسيلة للتأثير في الآخرين، بينما الكتابة جزء أساسي من حياتي. أشعر بأنّني خلقت لأكون باحثة، وهذا ما يعطيني دافعًا مستمرًا. - ما مشاريعك البحثية أو الأدبية القادمة؟
أعمل حاليًا على عدد من المشاريع البحثية والأدبية التي تتنوع بين النقد الأدبيّ والدراسات الأدبية المتعّمقة. هذه الكتب تتناول موضوعات مختلفة تستدعي التفكر والتحليل النقديّ، وتُعنى بتقديم قراءات جديدة تسلّط الضوء على جوانب غير مطروقة في الأدب العربيّ. أنا في المراحل الأولى من كتابة هذه الأعمال، وأتطلّع إلى أن أتمكن من نشرها في المستقبل القريب. عند اكتمال هذه المشاريع، سأكون سعيدة بمشاركتها مع المهتمّين ومناقشتها بشكل موسع. - وأخيرًا، كيف تنظرين إلى الملتقيات الأدبية، لا سيما ملتقى الشعراء العرب، ومجلة أزهار الحرف، والشاعر ناصر رمضان عبد الحميد كمساهمين في المشهد الثقافي العربي المعاصر؟
الملتقيات الأدبيّة هي سوق عكاظ العصر، والصالونات الأدبيّة في العصر الأموي في الأندلس كصالون ولّادة بنت المستكفي، ومجالس السمر أيّام الخلفاء والأمراء. الملتقيات الأدبيّة والمتديات الفكريّة حاجة ملحّة، وهي من مقتضيات العصر الحالي.
لذلك تُعد الملتقيات الأدبية، مثل ملتقى الشعراء العرب ومجلة أزهار الحرف، من الفضاءات الحيوية في المشهد الثقافيّ العربيّ المعاصر. فهي تشكل منصّات حواريّة وتفاعليّة ضروريّة لتعزيز التواصل الثقافيّ والفكريّ بين الأدباء والمبدعين، وتسهم في نشر الإبداع وتبادل الأفكار. تربطني علاقة خاصّة بملتقى الشعراء العرب، الذي يشجّع على إنتاج الأعمال الأدبيّة ويحتفي بالمواهب المختلفة، من الهواة إلى المتمرسين. أمّا الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد، رئيس الملتقى، فهو مثال للذوق الرفيع والثقافة الواسعة، ويقوم بدور كبير في تعزيز الوعي الثقافيّ في المجتمع العربيّ من خلال دعم المبدعين ونشر الجمال والفكر.
حاورتها من لبنان ملاك علي
محررة بمجلة أزهار الحرف

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي