
الهوية في مهب التمزق: قراءة شخصية في كتاب “الهويّة المفقودة والانتماءات المتعدّدة” للدكتورة هدى المعدراني
بقلم: ليلى بيز المشغرية
المؤلفة: د. هدى المعدراني
النوع: دراسة ثقافية / نقد سردي
الناشر: دار النهضة العربية – بيروت
سنة النشر: 2025
عدد الصفحات: 241
حين قرأتُ كتاب “الهويّة المفقودة والانتماءات المتعدّدة” للدكتورة هدى المعدراني، شعرت أنني لا أطالع دراسة نقدية فحسب، بل أتأمل مرآة لوجعي ككاتبة ومواطنة عربية تبحث عن موقع لذاتها في زمن التشتت والانقسام.
هذا الكتاب الصادر عن دار النهضة العربية – بيروت (2025)، لم يتعامل مع السرد الروائي كجماليات لغوية فحسب، بل كبنية ثقافية مشبعة بالألم، والانقسام، والصراع على الهوية. وجدتني أتنقل بين صفحاته كمن يعيد قراءة ذاته، وكل سؤال مطروح فيه شعرت أنه وُجه إليّ شخصيًا: من أنا؟ ما انتمائي الحقيقي؟ هل أمتلك الحق في أن أكون كل ما أنا عليه دون أن يُتّهمني أحد بالخيانة؟
اختارت الكاتبة أربع روايات لبنانية، أراها شخصيًا عينات شديدة الحساسية لنبض المجتمع اللبناني:
شريد المنازل (جبور الدويهي): تستعرض مفهوم “الهوية الشاردة” من خلال شخصية “نظام” التي تعاني التمزق الديني والاجتماعي.
في بلاد الدخان (هدى عيد): تطرح انشطار الذات تحت وطأة القهر والاستبداد، وتساؤلات الهوية المزدوجة.
قيد الدرس (لنا عبد الرحمن): تعالج الاستلاب الذاتي والوطني، وتراجع صورة الوطن/الأب والهوية القومية.
فاقد الهوية (حنان فرحات): تصور الاغتراب والتنكّر للمرجعية، وعلاقة الهوية اللبنانية بالقضية الفلسطينية.
بين النص والمجتمع
أكثر ما جذبني في هذا الكتاب هو قدرة د. المعدراني على تفكيك بنية الهوية عبر السرد، وربطها بالمجتمع والسياسة والسلطة. فهي لا تفصل الأدب عن واقعه، بل تجعله شاهداً ومتهماً في آنٍ معًا. وهذا ما أطمح إليه ككاتبة: أن يكون النص امتدادًا للحياة، لا مهربًا منها.
هوية واحدة أم انتماءات متعدّدة؟
في تحليلها، لا تبحث الكاتبة عن هوية “مثالية” بقدر ما تكشف عن هشاشة هذا المفهوم حين يُصاغ وفق مصالح طائفية أو انقسامات سياسية. وقد لامسني ذلك بعمق، إذ كثيرًا ما شعرت أن انتماءاتي الكثيرة تُربكني، لكنها في الوقت ذاته ما يجعلني أكتب، وأفكر، وأرفض أن أكون نسخة مكررة عن أحد.
الهوية المفقودة والانتماءات المتعدّدة” ليس مجرد كتاب نقدي، بل صرخة ثقافية ضد الانغلاق، وضد تذويب الإنسان في طائفته أو غربته. هو دعوة لقراءة الذات اللبنانية بعين ناقدة، وبقلب يشتاق للانتماء دون قيد، وللهوية دون دماء.
ورحلة في الذات العربية المعاصرة، عبر مرآة الأدب.
أشكر الكاتبة على جرأتها وعمقها، لأنها منحتني – كقارئة وكاتبة – مساحة لأتأمل، وأتساءل، وربما أتصالح مع شتاتي.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي