
عبد الحميد الخطي: شاعر الروح والحنين
قراءة أولى في رباعياته وأعماله الشعرية
تلقيت من الصديقة الشاعرة السعودية نازك الخنيزي مجموعة من الأعمال الشعرية للشاعر الراحل عبد الحميد الخطي، وهي ثلاث مجموعات شعرية بعنوان:
رباعيات الخطي
اللحن الحزين
ديوان الخطي
ويُذكر أن الشاعر عبد الحميد الخطي وُلد عام 1331هـ (1912م)، وتوفي عام 1421هـ (2002م). وقد كان علماً بارزاً في سماء الشعر العربي الحديث في المملكة العربية السعودية، ولا سيما في منطقة القطيف.
أولاً: رباعيات الخطي
يقع هذا الديوان في حوالي 104 صفحات، ويضم مجموعة من الرباعيات والحكم، تتوزع بين أربعة أو خمسة أبيات في القصيدة الواحدة.
الطابع الغالب على الرباعيات هو المنحى الديني، حيث تظهر فيها مظاهر التبتل، الدعاء، الحكمة، تحفيز الشباب، الحديث عن السعادة والعمر الذي يضيع، والتذكير بالموت وتحمل المسؤولية. وقد وردت فيه إشارات خفيفة إلى معاني الحب.
ومن مطالع الديوان الجميلة قوله:
يا رب نزه جناني
عن ريبة ولساني
عن قول مينٍ وأفكٍ
وارفع إليك مكاني
واسكب على جرح قلبي
مراهم الإيمانِ
فجرهُ بأعماق نفسي
نبعَ الرضا والحنانِ
يتبدى في هذه الأبيات طلبُ الطهارة الروحية، والسعي للصفاء الداخلي، وهو سمت بارز في شخصية الخطي الأدبية والوجدانية.
ثانياً: اللحن الحزين
يقع هذا الديوان في حوالي 290 صفحة، وقدم له الأستاذ محمد رضا الشماسي، المحاضر بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران.
يضم الديوان قصائد تتنوع موضوعاتها بين مناسبات خاصة، وقصائد حب، وتخليد الذكريات.
يبدو واضحًا أن عبد الحميد الخطي شاعر موهوب بالفطرة، يمتلك ناصية البيان ولغة شاعرية مرهفة تتسم بالانسياب والعذوبة.
نقرأ له في إحدى قصائده الجميلة:
هي فجرٌ، من ذا قد محاكَ من الوجودْ
قد كنتَ تمرحُ فوق أجيادِ الورودْ
وعلى الجبينِ براءةُ الطفلِ الوليدْ
دنيا الجمالِ تزينت لكَ من جديدْ
يتضمن هذا الديوان قصائد تحمل عناوين مثل:
إنما
العنوان الوطني
الحنون
ليلة النعيم
دعابة
مصرع الفجر
ديك الصباح
حلم
انحراف الوضع الشاذ
وغيرها من النصوص التي تعكس صدى أحاسيس الشاعر تجاه الحياة والوجود.
ومن آثار الشاعر الأخرى نذكر أيضًا:
وحي الثلاثين
من كل حقل زهرة
خاطرات الخطي
نسر معركة النور
ثالثاً: ديوان الخطي
أما الديوان الثالث، “ديوان الخطي”، فيقع في حوالي 295 صفحة، ويضم أيضًا مجموعة من القصائد التي يغلب عليها طابع الذكرى والأشجان، مع لمسات حب ووفاء عميقة.
تحمل القصائد عناوين دافئة مثل:
ربيع الشباب
ليلى
خاطرة
مناجاة حزينة
عتاب
ومن قصائده الرقيقة نقرأ في قصيدة بعنوان “حنين”:
افتحي لي حديثَ الشبابِ
وأعيدي عليَّ ذكرى التصابي
حلقي بي
على جناحٍ من الأحلامِ
في عالم النعيم السابِي
وانقليني إلى العهود الغوالي
وابعثي أمسياتِ باب السابِ *
وفي قصيدة ذكرى يقول:
لي عند هذا المنحنى
إن جزته قلبٌ يزف وناظر يترقرق
كم أمسياتٍ ها هنا
سلفت لنا ملءَ الفؤادِ هوى لها وتشوق
لم أنسَ عبدة إذ بسطتْ
لها يداً
ويدا كما دار السوارُ تطوق
مترشفاً من عينها خمرَ السما
روت بجنبي ظامئا يحترق
وفي قصيدته الشهيرة “ليلة في شواطئ القطيف” نقرأ:
قالوا القطيفُ فقلتُ غاية قصدنا
ألقَ المراسي أيها الربانُ
وافيتُه، و البدرُ يبسطُ ظلهُ
فوق الضفافِ وترقصُ الشطآنُ
وعليه من نسج المساءِ ملاءةٌ
صفراءُ باهتة بها الألوانُ
ملامح أسلوب عبد الحميد الخطي
يتميز شعر عبد الحميد الخطي بعدة خصائص أدبية وفنية، أبرزها:
اللغة الراقية المتزنة، مع ميل للبساطة والعذوبة.
نزعة وجدانية واضحة، ترتكز على الإيمان العميق، وحب الحياة، وتأمل المصير.
قدرة عالية على التصوير الشعري، خاصة في رسم المشهد العاطفي أو الوطني.
مرونة في الوزن والقافية، مع الالتزام بالتقاليد الشعرية العربية.
ثراء المعاني بالحكمة والتجربة، خصوصًا فيما يتعلق بالعمر والزمان والموت.
ولم يكن الخطي مجرد شاعر مناسبات، بل كان يحمل رسالة وجدانية وإنسانية تجعله قريبًا من النفس والوجدان.
في النهاية :
أؤكد في نهاية هذه القراءة أنها ليست دراسة نقدية شاملة لشعر عبد الحميد الخطي، وإنما هي تقديم أولي، ورد للجميل إلى الصديقة الشاعرة نازك الخنيزي وعائلتها الكريمة، وإلى عمها الشاعر الراحل.
آمل أن يتعرف جمهور القراء والنقاد العرب أكثر إلى هذا الشاعر الكبير، وأن يقوموا بكتابة دراسات نقدية وافية عن شعره الغني وأدبه الرفيع.
كل الشكر للصديقة الشاعرة نازك الخنيزي، وللصديق فوزي الجشي الذي أسهم في إيصال هذه الأعمال القيمة.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي