
البصرة وأنا: موسوعة الحياة والذاكرة في عيون السفير أشرف عقل
مقدمة عن البصرة: التاريخ والموقع وأعلامها
تُعد مدينة البصرة من أعرق مدن العالم العربي والإسلامي، تأسست سنة 14هـ (635م) بأمر الخليفة عمر بن الخطاب، لتكون ثغرًا حربيًا ومركزًا حضاريًا على ضفاف شط العرب، ملتقى دجلة والفرات قبل أن يصبا في الخليج العربي.
تقع البصرة في جنوب العراق، وتتميز بموقعها الاستراتيجي على رأس الخليج العربي، مما جعلها منفذًا تجاريًا هامًا عبر العصور، فضلاً عن غناها بالأراضي الزراعية الخصبة، وبخاصة بساتين النخيل الشاسعة.
لعبت البصرة دورًا محوريًا في نشأة الحضارة الإسلامية، وكانت مهدًا لعدد كبير من العلماء والأدباء والفلاسفة الذين ساهموا في إثراء الفكر العربي والإسلامي. فمن أعلامها الكبار:
في اللغة والنحو: الخليل بن أحمد الفراهيدي، واضع علم العروض ومخترع معجم العين، وسيبويه، إمام النحويين.
في الفلسفة والكلام: واصل بن عطاء مؤسس مذهب المعتزلة.
في الأدب والشعر: بشار بن برد، أحد أعمدة الشعر الأموي، وصريع الغواني أبو نواس الحسن بن هانئ، أشهر شعراء العصر العباسي.
في الفقه والحديث: الحسن البصري، أحد كبار التابعين، وعلم من أعلام الزهد والورع.
البصرة كانت كذلك بوتقة انصهرت فيها التيارات الفكرية والعقائدية المختلفة، مما جعلها بيئة نابضة بالحياة الثقافية والعلمية طوال تاريخها.
قراءة في كتاب “البصرة وأنا”
أهداني صديقي العزيز، السفير أشرف عقل، كتابه الماتع “البصرة وأنا”، وهو كتاب يقع في حوالي 242 صفحة من القطع الكبير. وقد حملت هذه الهدية معي إلى منزلي عبر صديق مشترك هو الدكتور محمد سبأ، الفنان التشكيلي اليمني المعروف. وما إن وصلت حتى شرعت في قراءة الكتاب قراءة متأنية، مستغرقًا في تفاصيله بروح الباحث والشغوف.
ولا غرابة في ذلك، فأنا أعتبر نفسي عراقي الهوى والنسب، إذ إن زوجتي تنتمي إلى مدينة البصرة العزيزة، مما أضفى على قراءتي للكتاب بُعدًا وجدانيًا عميقًا. تحدثت مع الدكتور محمد سبأ عن هذا الارتباط، ووعدته بأن أكتب عن هذا العمل المميز، وها أنا أوفي بوعدي، وألبي النداء.
يستعرض الكتاب تاريخ البصرة العريق وحياتها اليومية عبر الفترات الزمنية المختلفة، وينتقل المؤلف في كتابه عبر المحطات التالية:
جغرافية البصرة وموقعها: وصف دقيق لموقع المدينة وأهميته الجغرافية والاقتصادية.
البصرة في زمن الخلفاء الراشدين: تأسيس المدينة ودورها العسكري والإداري.
البصرة في العهد الأموي: التحولات السياسية والفكرية التي شهدتها.
الحركة العلمية والأدبية في العهدين الراشدي والأموي: إبراز دور المدينة كمركز فكري رائد.
البصرة في العهد العباسي: عصر الازدهار الثقافي والعلمي.
البصرة في العهدين التتري والعثماني: ما أصاب المدينة من نكبات وتغيرات.
الحركة القومية في البصرة: نهوض الوعي الوطني.
البصرة في عهد الاحتلال البريطاني: بداية الاحتلال وتداعياته على المدينة وأهلها.
البصرة في العهد الوطني: نشوء الدولة الحديثة.
أراضي البصرة ونخيلها: الحديث عن الثروات الزراعية.
مشروعات الري في البصرة القديمة: تطور أنظمة الري والزراعة.
البصرة في العصر الحديث: الحروب، التحديات البيئية، والتغيرات الاجتماعية.
مصر والبصرة: من وحي العيش في البصرة: عرض تجربة المؤلف الشخصية وعلاقة الشعبين.
وقد أرفق المؤلف الكتاب بملحق غني بالصور الوثائقية والمراجع، إلى جانب نبذة عن سيرته الذاتية.
عن المؤلف
السفير أشرف عقل من مواليد محافظة الدقهلية عام 1956. تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 1978.
بدأ مسيرته المهنية ملحقًا دبلوماسيًا في أوائل الثمانينات، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى رتبة سفير ممتاز.
من المناصب التي شغلها:
مدير إدارة البلقان وجنوب أوروبا.
نائب مساعد وزير الخارجية للعلاقات الأوروبية متعددة الأطراف.
نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون البرلمانية.
سفير مصر لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة ورام الله (2006 – 2009).
سفير مصر لدى الجمهورية اليمنية (2010 – 2014).
قنصل عام لمصر في محافظة البصرة والمحافظات الجنوبية في العراق (2015 – 2016).
للسفير أشرف عقل العديد من المؤلفات في الشأن السياسي والثقافي، من أبرزها:
١ – القدس .. المدينة والقضية .
٢- الأزمة اللبنانية .
٣- خمس سنوات فى يوغسلافيا السابقة .
٤- البصرة وأنا .
٥ – شخصيات فى حياتى .
خصوصية الكتاب
يمتاز “البصرة وأنا” بكونه ليس مجرد سرد ذاتي لتجربة شخصية، بل موسوعة نابضة تجمع بين:
الرحلة الشخصية.
السيرة الذاتية.
التاريخ السياسي والثقافي.
الجغرافيا الاجتماعية.
التحليل الاقتصادي للثروات والمشروعات.
عبر هذا المزج، يقدم المؤلف صورة حية للبصرة كما رآها وعاشها، مستندًا إلى خبرته الطويلة كدبلوماسي ومثقف مطلع. إنه عمل يمثل شهادة على محبة صادقة لمدينة صنعت المجد وعانت المحن، لكنها بقيت على الدوام، مدينة لا تموت.
في النهاية
إن كتاب “البصرة وأنا” لا يُعد مجرد سجل لذكريات دبلوماسي عابر في مدينة عبقة بالتاريخ، بل هو عمل موسوعي مفعم بالحب، صاغه قلم يعرف قدر الأرض وأهلها.
لقد استطاع السفير أشرف عقل أن يمسك بتفاصيل البصرة الدقيقة، من شوارعها وأحيائها إلى حكايات ناسها ونخيلها، فجاء نصه متدفقًا بالحياة، نابضًا بالوفاء.
هذه القراءة ليست وفاءً لمدينة البصرة وحدها، بل هي إشادة بكاتب عاشها قلبًا وقالبًا، وقدم لنا خلاصة تجربة إنسانية وثقافية غنية.
متّع الله السفير أشرف عقل بالصحة والعافية، وبارك جهوده في خدمة الأدب والثقافة، ووهبه مزيدًا من العطاء في دروب الدبلوماسية والقلم.
خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي