“بريق الحب بين الإيمان والاغتراب: قراءة في ديوان (للحب بريق آخر) ل ليلاس زرزور”
تمهيد:
تأتي الشاعرة السورية المقيمة في هولندا ليلاس زرزور في ديوانها “للحب بريق آخر” لتفتح بابًا على تنويعات الحب في أبهى تجلياته: حب الله ورسوله، حب الأهل والوطن، حب العروبة والإنسان، بل وحتى حب العبادة وروحانية الزمان المقدّس كرمضان وليلة القدر. إن هذا الديوان، الواقع في حوالي 114 صفحة، ينتمي إلى الشعر العربي الملتزم إنسانيًا وروحيًا، ويجمع بين البساطة اللغوية والعذوبة الإيقاعية والصدق الشعوري.
يحمل عنوان الديوان “للحب بريق آخر” دلالة مزدوجة بين العمق والتجدد؛ فـ”البريق” هنا لا يعني فقط التألق أو اللمعان الجمالي، بل يدل على إشراقة داخلية تتصل بمعنى الحب حين يعلو على الرغبات العابرة ويتسع ليشمل الروح والإنسانية والوطن والرسالة الإلهية. “آخر” تعني أن الشاعرة لا تكتفي بصورة نمطية للحب، بل تمنحه أفقًا جديدًا يمزج بين الطهر الصوفي والحنين الإنساني. العنوان إذًا بوابة رمزية تنقل القارئ إلى تجربة روحية وجدانية فريدة.
محاور الديوان:
يدور الديوان حول عدة محاور رئيسة، تتداخل فيها الأبعاد الروحية، والوجدانية، والوطنية، والاجتماعية:
- الحب بمعناه الشامل:
حب الرسول وأهل البيت: يبدو ذلك جليًا في قصيدة ريحانة المصطفى، حيث تقول:
“حبًا لبنت رسول الله أهديها
وأسْكُبُ الصدق في أبهى معانيها
من وحي فاطمة الزهراء أكتبها
روحي تسطرها والقلب يلقيها”
هنا يظهر الولاء الروحي الصادق، فالشاعرة لا تنقل حبًا تاريخيًا جامدًا بل تنفخ فيه من روحها، وتكتب بروحانية صوفية متجلية.
حب رسول الله: في قصيدة قمر تلألأ:
“لو كنت من ذهب أصوغ الأحرفا
والله ما بلغت مديح المصطفى”
في هذا المقطع، تواضع التعبير أمام جلالة الممدوح. تعي الشاعرة عجز اللغة عن الإحاطة بالمقام المحمدي، ما يذكرنا بمواقف لكبار شعراء المدح النبوي.
- حب العبادة وشهر رمضان:
في قصيدة ليلة القدر:
“قُم للعبادة حتى مطلع الفجر
تَفُزْ بأجر بها في ليلة القدر”
تنقل الشاعرة أجواء الطمأنينة والرجاء في العشر الأواخر، بلغة مباشرة ووعظية توصل الرسالة دون تعقيد.
- الوطن والاغتراب:
الغربة بوصفها فقدًا وانتماءً مؤلمًا، تظهر في قصائد مثل: ليالي الاغتراب، شوقًا إليك، وطني الكبير، يا قلعة النور، يا دجلة العشق. في قصيدة يا دجلة العشق تقول:
“يا دجلة العشق
مجد الجمال انثنى نادته بغداد
صوت العناق الذي يهفو وينقاد”
نجد استحضارًا للمكان الحبيب بصور شعرية مكثفة تعبر عن الحنين والوفاء، واستخدام مفردات مثل “النخيل” و”الليل” يعمّق إحساس الشوق.
- العروبة والتغني بالأقطار العربية:
خصّت الشاعرة تونس، العراق، اليمن، وفلسطين بالقصائد، ما يدل على رؤية وحدوية، ومن ذلك قصائد: يمن العروبة، هذا العراق، شوقًا إليك فلسطين، مؤكدة الانتماء إلى روح الأمة.
البنية الفنية والأسلوب:
اللغة: بسيطة، شفافة، لكنها معبرة ومتماسكة. لا تعقيد في التركيب، مما يجعلها قريبة من المتلقي.
الإيقاع: تعتمد في الأغلب على الشعر العمودي أو الموزون الحر، مما يعطي قصائدها طابعًا موسيقيًا يسهل حفظه وتداوله.
الصورة الشعرية: تميل إلى المباشرة أكثر من الرمزية، لكنها قادرة على صياغة مشهد وجداني حيّ.
من قصائد الديوان (كما وردت):
نسيت بك الدنيا
بين الأمل واليأس
انتغب عني
قمر تلالا
ليلة القدر
سيبقى هوانا
سيظل فخرك
بعد الوداع
عساك بروض الخلد
دامت لك الأفراح
وهكذا تمضي
ساندي
ريحانة المصطفى
يزن
سيدر
ليالي الاغتراب
شوقًا إليك
فلسطين العرين
حدائق الشام
يمن العروبة
على ضفاف الحزن
فكوا الحصار
هذا العراق
أمنية
على دكة الانتظار
وطني الكبير
يا قلعة النور
يا دجلة العشق
في النهاية:
يُعد ديوان “للحب بريق آخر” للشاعرة ليلى زرزور علامة على أن الشاعر الحقيقي لا تمنعه الغربة من أن ينتمي، ولا تحدّه المسافات عن أن يُحِب. لقد استطاعت أن تجعل من الشعر جسدًا حيًا يتنفس حبًا للخير والجمال والروح. إن لغتها السلسة، وصورها الوجدانية، وصدقها الداخلي، تجعل هذا الديوان جديرًا بالقراءة والاحتفاء. ويكفيها فخرًا أنها تكتب “بالسليقة” كما يُقال، وأنها استطاعت أن تنال احترام أدباء مثل توفيق أحمد، جميل داري، والقس جوزيف إيليا.
نتمنى للشاعرة مزيدًا من الإبداع والتألق.
___
*عضو اتحاد كتاب مصر
رئيس ملتقى الشعراء العرب

خاصية التعليق غير مفعلة - يمكنك المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي