
الدبلوماسي الناجح وفن العلاقات: السفير أشرف عقل نموذجًا
في زمنٍ تتقاطع فيه السياسة بالمصلحة، والدبلوماسية بالتمثيل الوظيفي البارد، يبقى النجاح الحقيقي في هذا الميدان مرهونًا بقدرة السفير على تمثيل قيم وطنه، وإنسانيته، ومعرفته، لا بمقدار ما يقضيه في مكتبه، بل بمقدار ما يتركه من أثر في قلوب الشعوب والمجتمعات التي يتعامل معها. وهذا تمامًا ما يتجلى في شخصية سعادة السفير أشرف عقل، الذي لا أقول عنه إلا ما أشهد الله عليه: ما رأيت مثله دبلوماسيًا ناضجًا، مثقفًا، إنسانيًا، عارفًا، بسيطًا دون تصنّع، وراقيًا دون تكلف.
لقد تعاملت، بحكم تجربتي، مع عدد من السفراء والمسؤولين، لكن قليلون هم من يتركون فيك أثرًا صادقًا لا تشوبه المجاملة. سعادة السفير أشرف عقل هو واحد من هؤلاء القلة النادرة. نموذج للدبلوماسي العربي الذي يتجاوز حدود الملفات الرسمية إلى عمق الإنسان، يتعامل مع الناس من منطلق الفهم والتقدير والثقافة، وليس من منطلق الرتبة والمقام.
الدبلوماسي الواعي: “يعرف ماذا يعرف”
في أحد أحاديثنا، قال لي السفير أشرف عقل جملة لا تُنسى: “الدبلوماسي الناجح يعرف ماذا يعرف، ومتى يقول، ومتى يصمت، ومتى يتقارب، ومتى ينسحب بأدب”، وهذه العبارة وحدها كفيلة بتلخيص فن العلاقات الذي أدركه الرجل عبر سنوات طويلة من العمل في مواقع حساسة بالعالم العربي، لا سيما في العراق واليمن، حيث نُسجت بينه وبين أهل البلدين علاقات ود وصداقة ومحبة لا تزال آثارها باقية.
فقد حدثني ذات يوم عن تجربته في العراق، وكيف أن الناس هناك أحبّوه لا لصفته الرسمية، بل لأخلاقه، وتواضعه، وانفتاحه على الجميع. وأكد لي الصديق محمد سبأ أن أهل اليمن، أيضًا، كانوا يكنّون له كل المحبة والتقدير، إذ أقام معهم علاقات أخوية حقيقية، ما جعله واحدًا منهم، لا مجرد سفير عابر.
الكتاب شاهدٌ على الإنسان
وحين نقرأ كتابه البديع “شخصيات في حياتي” ندرك أن الرجل لم يكن دبلوماسيًا عابرًا في الممرات الرسمية، بل كان مُعايشًا للشخصيات، متذوقًا لثقافاتهم، مستبصرًا بنتاجهم. فهو يكتب عن شخصيات عربية من مصر، فلسطين، اليمن، العراق، ولبنان، لا بوصفها موضوعًا وظيفيًا، بل بوصفها تجربة إنسانية وثقافية، يستعرض مؤلفاتهم، ويستشهد بشعرهم، ويعبّر عن إعجابه بهم من صميم قلبه لا من باب المجاملة.
هذه القدرة على التواصل الثقافي، والاستحضار الإنساني العميق، لا تتأتى إلا لدبلوماسي يحمل قلب الأديب، ووعي المفكر، وتواضع الإنسان الحقيقي. لذلك، لا عجب أن يُعتبر السفير أشرف عقل نموذجًا حيًّا لما ينبغي أن يكون عليه الدبلوماسي العربي الواعي، لا موظفًا ينتظر تقارير السفارة، بل رسول محبة وفهم وتبادل حضاري حقيقي.
في النهاية:
الدبلوماسي الناجح لا يُقاس بحجم المناصب التي شغلها، بل بحجم الأثر الذي تركه في حياة الآخرين. والسفير أشرف عقل، في كتابه، وفي واقعه، يثبت أن العلاقات ليست أوراقًا رسمية، بل قلوبٌ مفتوحة، وذاكرة لا تُنسى.
هذا المقال شهادة محبة وتقدير، كما هو دعوة صادقة لأن يُدرس هذا النموذج ويُحتذى به في إعداد جيل جديد من الدبلوماسيين الذين لا يمثلون السياسة فقط، بل يمثلون القيم، والإنسان، والثقافة، والمروءة.