
بمناسبة المولود الثامن بقلم رئيس التحرير
على مشارف الأمل: غادة الحسيني.. رحلة الكفاح التي أزهرت شعراً
في عالمٍ يزدحم بالأصوات، وتضيع فيه الأحلام ما لم تجد من يحملها بإصرار، استطاعت الشاعرة والقاصة والكاتبة الصحفية اللبنانية غادة إبراهيم الحسيني، أن تشق طريقها بثبات نحو المجد الأدبي، حتى غدت اليوم إحدى الوجوه اللامعة في المشهد الثقافي العربي. في ذكرى ميلاد ديوانها الشعري “على مشارف الأمل”، نكتب هذا المقال احتفاءً بها، وبمسيرتها التي تصلح أن تكون نموذجًا لكل من يعتقد أن الإبداع وليد الصدفة، لا ثمرة الجهد والكفاح.
من الهندسة إلى الحرف: بناء الذات بالحبر والموهبة
ولدت غادة الحسيني في بيروت، مدينة الشعر والمقاومة، ودرست الهندسة الداخلية، حيث نشأت على التكوين والذوق، ثم سرعان ما انتقلت من بناء الجدران إلى بناء المعاني. لم تكتفِ بموهبتها الشعرية الكامنة، بل قررت أن تخوض معركة التطوير الذاتي باجتهاد نادر. لم تكن خطواتها الأولى سهلة، لكنها كانت واثقة، مدفوعة بإيمان داخلي أن للكلمة المجتهدة نصيبًا من الخلود.
“على مشارف الأمل”: عنوان القصيدة الكبرى لحياتها
لم يكن اختيار عنوان ديوانها “على مشارف الأمل” مجرّد إيحاء شعري، بل تجسيد صادق لتجربتها الحياتية. ففي كل مشهد من حياتها، كانت غادة تقف على حافة أملٍ جديد، تتأرجح بين الانكسارات والمحاولات، لكنها دومًا تنهض، أكثر عنادًا، وأكثر نقاءً.
إنه عنوان يعكس مرحلة عبور، ومكانًا بين اليأس والرجاء، بين السؤال والجواب، بين الحاضر والمستقبل، تمامًا كما كانت قصائدها تقف على حافة العالم لتصرخ بالحب، والوجع، والوطن، والمرأة.
من ملتقى الشعراء العرب إلى اتحاد كتّاب مصر
بدأت غادة الحسيني خطواتها الجادة من ملتقى الشعراء العرب، حيث كانت من الوجوه النشطة والمثابرة، ثم ما لبثت أن أصبحت أمينة سرّ الملتقى، وشاركت في تأسيس مجلات ومواقع أدبية، من أبرزها مجلة “أزهار الحرف” التي تشغل حاليًا موقع مديرة تحريرها. لم يكن ذلك تتويجًا فحسب، بل محطة انطلاق جديدة نحو آفاق أوسع، تجلّت بوضوح في انضمامها إلى اتحاد كتاب مصر، بعد أن كانت عضوًا في اتحاد كتاب لبنان ورابطة الأدب الحديث.
إصدارات تحمل وجع الأنثى وصوت الوطن
جاءت أعمالها الشعرية والقصصية كمرايا صادقة لحياة مزدحمة بالتجربة، فقدّمت مجموعات مثل:
“للعشق أغنية اللهب” (ومضات شعرية)
“متعب وجه الوطن” (شعر)
“رفيقة العمر” (قصص)
“رحيق العمر” (شعر)
“الراحلون على بساط النور”
“على مشارف الأمل”
هذا إلى جانب مشاركاتها في كتب جماعية موسوعية وتنسيقية، نذكر منها:
قصائد في رحاب القدس، محطات من الذاكرة، نبضات وامضة، فقه الشعر، شعراء من لبنان، تغريد البانسوه، وغيرها.
إنها تجربة متشعبة تجمع بين الشاعرية والصحافة، بين الرؤية النسوية وهمّ الوطن، بين الإبداع الفردي والعمل الجماعي، ولا سيما في حواراتها الأدبية التي جمعتها في كتابها المهم “ثورة الشعر”.
غادة الحسيني: امرأة من زمن الإصرار
في زمن الاندفاع نحو الشهرة السريعة، اختارت غادة طريق التعب والتدرّج والتواضع، فترجمت أعمالها في معاجم عربية لتثبت أن صوتها لم يعد محليًا فقط، بل عربيًا في امتداداته، راسخًا في حضورها.
غادة الحسيني ليست فقط كاتبة؛ إنها رحلة بحث مستمرة عن المعنى، ومع كل كتاب جديد، وكل موسوعة تضع اسمها فيها، نقرأ سيرة امرأة راهنت على الكلمة، فربحت ذاتها وقراءها معًا. في ذكرى ميلاد ديوانها “على مشارف الأمل”، نحييها لا فقط ككاتبة، بل كمثال على أن النجاح يولد حين نزرع الحلم ونرعاه بالصبر والكفاح.
ولأنها ما زالت تكتب، وتخطط، وتدير، وتحاور، فإن الأمل ليس على مشارفها فحسب، بل يسكنها ويضيء درب من يتبع أثرها.