
نادي الكتاب اللبناني… حيثُ يلتقي الوطن بأبنائه والكلمة بأهلها؛
بقلم: فاروق خداج:
صوت وجداني من لبنان، يكتب كما لو أنه يصلي، ويؤمن بأن الكلمة بيت يجمع المختلفين على طاولة واحدة.
في زمنٍ تكثر فيه الفواصل، ويشتد فيه الغيابُ عن المعنى، يطلّ علينا “نادي الكتاب اللبناني” كنافذة من ضوء، كصوتٍ هادئ يدعو إلى التأمل والمشاركة، إلى المحبة والتلاقي، إلى الكلمة حين تُكتب من القلب وتُقرأ بالعقل.
في قلب هذا الوطن الذي يتعب ويحب، يولد هذا النادي من رحم الحاجة إلى مساحة أصيلة للفكر والوجدان، ويكبر بإرادة من آمنوا بأن الثقافة ليست رفاهية بل حياة، وبأن الكلمة هي بيتٌ يجمعنا إذا تفرقنا، ويُذكّرنا بمن نكون إن نسينا.
هوية النادي ورسالة الحرف
تحت رئاسة الدكتورة سلام سعد، المثقفة النشيطة والجامعة بين العلم والذوق، يتّخذ نادي الكتاب اللبناني مساره الخاص في المشهد الثقافي اللبناني. لا يكتفي هذا النادي بلقاءات سطحية أو فعاليات عابرة، بل يذهب عميقًا، فيستقطب أهل الفكر والأدب من مختلف المناطق اللبنانية، ويخلقُ مساحة حوارية نادرة في هذا العصر.
الدكتورة سلام سعد، بحبها الكبير للجمع، وسعيها الدؤوب لتجسير المسافات بين الناس، لا تُخفي رؤيتها: لبنان يستحق أن نحبه بالكلمة، وأن ننهض به بالفكر، وأن نعيد نسجه بأيدٍ تقرأ وتكتب وتناقش وتُصغي.
المطالعة والهوية… في حضن الوطن
ليست المطالعة عند أعضاء النادي فعلًا فرديًا فقط، بل هي حوار مفتوح مع الذات والآخر، وهي وسيلة لإعادة بناء الجسور الثقافية والروحية التي تهالكت بفعل النسيان والفرقة. في جلسات النادي، لا تُقرأ الكتب فحسب، بل تُناقش وتُفكّك، لتصبح نقطة انطلاق نحو الوعي والنمو.
هنا، تنمو الروح الوطنية من دون شعارات، وتتجذر القيم من دون خطب. فكل لقاء هو احتفاء بلبنان المتعدد، بلبنان الإنسان، بلبنان الذي نحلم أن نكونه لا ذاك الذي نخشى عليه.
تجربتي: حين وجدت في الكلمة عائلة
جئت إلى نادي الكتاب بفضول القارئ الحائر، فانغمست فيه كمن عاد إلى أهله بعد غياب. وجدت في أعضائه إخوة لا يجمعهم سوى حبّ الكتاب، وقلوبهم المفتوحة على الآخر.
لم أسأل أحدًا من أين أنت؟ أو إلى من تنتمي؟ بل وجدت نفسي وسط عائلة حدودها الوطن وهدفها الإنسان. اكتشفت أن الأدب أوسع من الطوائف، وأن الكتاب يقرّبنا أكثر من كل نسبٍ وهمي.
أضاف النادي إلى رصيدي أدباء وأصدقاء هم اليوم أقرب الناس إليّ، ليس فقط لأنهم يكتبون، بل لأنهم يَصدقون في ما يقولون. وهكذا، من خلاله، لم أتعرّف على أفكار جديدة فحسب، بل على نفوس نبيلة وشخصيات رفيعة، تُضيء درب الثقافة كما يضيء الفجر عتمة الليل.
خاتمة: لبنان الذي نكتبه… هو الذي نُنقذه
في نادي الكتاب اللبناني، نكتب لننقذ ما تبقى من المعنى، ونقرأ لنستعيد ما ضاع من الوطن. هو أكثر من نادٍ… هو ذاكرة حية، ورجاءٌ جميل، ومساحة تُشبه أحلامنا حين لا يشوبها شيء.
ومن هنا، أدعو كل محب للكلمة أن يطرق بابه، فثمة مكان شاغر دائماً في القلب لمن يؤمن بأن لبنان لا يُبنى إلا بالحبر والحوار.
ملاحظة: ( نُشرت هذه المقالة بالانكليزية على موقعي medium و substack)