
أخبرتني إحدىٰ العرافات أن كان هناك منزلًا مسكونًا بقبيلةٍ من قبائل الجان، وكان زعيم القبيلة جِنيًّا اسمه “الزير” وقد كان صاحب المنزل رجلًا وامرأته.
وفي ليلةٍ قد اختلىٰ الرجل بزوجته، وصار بينهما أقاويلًا وأفاعيلًا ثم في الظلام الدامس قاما ليشربا الماء من “الزير” وهو لفظ يطلق في أوساطنا الإجتماعية علىٰ جرة الماء، وأثناء شربهما قالت المرأة لزوجها: أشعر بالخوف، فقال الرجل لإمرأته: ممن تخافين، وليس بيننا سوىٰ “الزير” فهل الزير يخيف؟! فأجابت: بلىٰ أخاف الزير، فقال الرجل مازحًا: لتأخذها أيها الزير، فسمع زعيم قبيلة الجان الزير كلام الرجل، فأخذ المرأة إلىٰ عالم الجان، وفقدها زوجها بعد ذلك.
لم يعرف الزوج تفسيرًا لما حدث، فذهب يسير وراء المنجمين والعرافين والكهنة حتىٰ استحضرت إحداهن الجان من عمار الديار، وعلمت من الشهود بحقيقة ما حدث، فأخبرت الزوج أن ساكن الديار من الجان زعيم قبيلةٍ يدعىٰ: الزير، وأنت حين قلت: لتأخذها أيها الزير قد سمع قولك زعيم القبيلة، وأخذها لعالم الجان، وأسكنها منزله كونه كان عاشقًا لها، ويغار عليها منك.
أراد الزوج استرداد زوجته من عالم الجان، فقالت العرافة: بينك وبين زعيم قبيلة الجان قضيةً، ولابد لكما من الاحتكام إلىٰ قاضي من قضاة الجان، وهذا لن يتحقق سوىٰ بالدخول لمحكمةٍ باطنيةٍ تنعقد في أيامٍ وأوقاتٍ محددةٍ للفصل بين المتنازعين، فوافق الزوج علىٰ دخول المحكمة الباطنية، والمثول أمام قضاة الجان لسماع حكمهم في قضيته، ونزاعه مع زعيم الجان المسمىٰ بالزير، وبالفعل قد انعقدت المحكمة الباطنية، ومثل الزوج وزعيم قبيلة الجان، وتحاكما كلاهما أمام قضاة الجان في المحكمة الباطنية.
ثم حكم قاضي الجان بالعدل بعد أن سمع حجة زعيم قبيلة الجان، وتيقنت المحكمة بعدم بغيه وجوره أو تجاوزه في حق الزوج البشري كون الزوج قال: لتأخذها أيها الزير، فظن زعيم الجان أن الخطاب موجهًا إليه، فأخذها بأمر الزوج ورضاه كما فهم من سياق الأمر في الخطاب، ولم يتوانىٰ في ذلك لعشقه للمرأة.
أمر قاضي الجان أن يؤتىٰ بالمرأة لحل النزاع بين زوجها، وزعيم قبيلة الجان، فقال لها: ليس عندي مظلمةً أو بغيًا أو جورًا أو تجاوزًا من زوجك تجاه الزير زعيم قبيلة الجان أو من الزير زعيم قبيلة الجان تجاه زوجك، وتوقف حكمي علىٰ موقفك أنت أيتها المرأة لتختاري بين كلاهما، فأيهما تختارين أقضي بجمعك معه؟!
قبلت المرأة الزير زعيم قبيلة الجان مودعةً له علىٰ اعتزازه بها، وعشقه لها، وحسن معاملته هو وقبيله في عالمهم لكنها اختارت العودة لزوجها بحجة أنها لم تألف العيش بعالم الجان لإختلاف السلوك والطبائع والغرائز وغيرها من مقاصد المعيشة البشرية، فقضىٰ قاضي الجان بعودتها لزوجها، وقد كان، فقيل: ذهبت، وكسرت ورائها زيرًا. ! انتهىٰ