
حين يُجفّف الشوق أرواحنا
ما أثقل الشعور حين يغدو جافًا، بلا دفء اللقاء، بلا عناق الذكريات. لم أرك منذ زمن طويل، كأن المسافات بيننا تشابكت حتى لم تعد تُجدي معها الخطى، وكأن الأماكن فقدت بهجتها لمجرد غيابك. الشوق يفيض في أذرعي، يثقلني، يفتك بي في كل لحظة تمر دونك.
سألتُ طائر الهيام ذات مساء عنك، عن مشاعرك، عن خفايا قلبك. لم يجبني بصوت، لم يرسل صريرًا ولا رنيمًا، بل قال لي بحركة عين وارتعاشة جناح: “إنه شديد الصبابة، مثلك.” فاض قلبي بنبض متسارع، ركضت إلى ملتقى الأرواح علّني ألمح وجهك، أتنفس حضورك، أستعيد شيئًا من ماضينا.
رأيتك هناك، لكنك لم تكن كما كنت. الحزن غلّفك، تسرب منك حتى انعكس في ملامحك التي أحببت. خففت من وطأة نظرتي، أحنَيت كتفي، أنزلت رأسي، كأنني أرغمت نفسي على تقبّل غيابك رغم حضورك، لكن لا جدوى. كنت بعيدًا، أقرب إلى الغياب منك إلى البقاء، ففتّت غيابك أضلعي.
ألم تكن الطرقات تجمعنا ذات يوم؟ ألم تبتسم لنا الجدران، وترافقنا أدراج البيت كأنها تحفظ وقع خطانا؟ لمَ لا تتذكر تلك الأحاديث الهمسة، نظرات الأعين التي كانت تتلاحق بشغف؟ كم كنا نُدهش العابرين بغبطتنا، كم كنا حديث المكان والزمان!
ولكن… إلى أين رحل كل ذلك؟ كيف تبعثر؟ كيف مضى؟ أعلم، في قرارة نفسي، أن لنا لقاءً – ولو مؤجلًا – عند أول الطريق الذي التقينا فيه، عند أول لمحة، أول كلمة، أول نبضة.
سأنتظر، لا اللقاء الأخير، بل اللقاء الأول… حيث تبدأ من جديد رفقة الأحبة.
ماريا حجارين