
الطائفية… أداة هدم من الداخل
الطائفية آفة مدمرة، تنخر في جسد الأوطان كما ينخر السوس في عود الشجر، فلا يُرى أثرها للعيان إلا وقد بلغ الفساد مداه، والخراب أركانه. إنها شرٌّ مرفوض عقلاً وشرعًا، خطرها يفوق العدوان الخارجي، لأنها تأتي من الداخل، من النسيج نفسه، فتُضعف الشعور الوطني، وتُجهز على روح الانتماء، وتكون أداة جاهزة في يد العدو لتحقيق مطامعه، وزرع الفتن، وتفكيك اللحمة الاجتماعية.
الوضع العربي والإسلامي اليوم يرزح تحت وطأة التوترات والصراعات الطائفية المتأججة، التي تنذر باتساع رقعتها، ما لم يتم تداركها بعقلانية ووعي جماعي. إنّ استمرار هذا الانحدار سيجلب الكوارث والدمار، ويهدد مستقبل الأجيال والأوطان. إنّها ليست مجرد خلافات مذهبية، بل صراع على الهوية والكيان، وعلى وحدة الأمة وسلامها الداخلي.
ولعل أخطر ما في الطائفية أنها تُغذي التمييز في فرص الحياة، من عمل وتعليم وخدمات، فتخلق شرائح محرومة من حقوقها الأساسية، فتزيد الاحتقان، وتُولّد شعورًا بالغُبن والإقصاء، ما يُغذّي التطرف والانفجار من الداخل. وهنا يظهر دور التعليم كحجر أساس في معالجة هذه المعضلة. فالتعليم، حين يكون عادلاً ومتاحًا للجميع، بلا تحيّز أو إقصاء، يُسهم في بناء وعي موحد، ويُرسّخ مفاهيم المواطنة، ويُقوّي مؤسسات الدولة المدنية.
من هنا، فإن مواجهة الطائفية تستوجب وقفة جماعية جادّة وسريعة، يلتقي فيها المفكرون وعلماء الدين، وعلى رأسهم شيوخ المذاهب، في حوار صادق ومسؤول، يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وينطلق من المشتركات لا من الفوارق. فلا بقاء لأمة تأكل أبناءها، ولا نهوض لوطن تُجزّئه الانتماءات الضيقة.
نحن بحاجة إلى تشريعات تُرسّخ العدالة، وتكفل تكافؤ الفرص، وتحمي الحريات، وتردع من يُحرّض على الكراهية أو يُهدّد السلم الأهلي. فالوطن ليس حكرًا على طائفة أو فئة، بل بساطه الرحب يتّسع للجميع، والهدى لا يغيب إلا حين تصمت العقول، وتُخمد أصوات الحكماء، وتستفحل الفتن في غياب الرؤية.
فهل نملك الشجاعة الكافية لنقول: كفى للطائفية؟ وهل نملك الإرادة لنبني أوطانًا يسودها العدل، ويحكمها القانون، ويعلو فيها صوت الإنسان لا صوت الطائفة؟ إنها مسؤولية الجميع، قبل أن يتحول الحريق إلى رماد.