
شَفَتَانِ تَتَكَلَّمَانِ… وَلُغَةٌ تَجْمَعُنَا”
فِي رُكْنٍ هادِئٍ مِن زَاوِيَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، جَلَسْتُ أُصْغِي إِلَى أَصْوَاتٍ تَتَدَفَّقُ حَوْلِي كَجَدْوَلٍ صَغِيرٍ يَمْرُّ بَيْنَ زُهُورِ الرَّبِيعِ. سَمِعْتُ أَحَادِيثَ بِلَهْجَةٍ لُبْنَانِيَّةٍ تَحْمِلُ خِفَّةَ النَّسِيمِ، وَأُخْرَى سُورِيَّةٍ تَحْمِلُ وَقَارَ التُّرَاثِ.
اللَّهْجَةُ اللُّبْنَانِيَّةُ تُشْبِهُ أَنْغَامَ الْعُودِ فِي لَيْلَةٍ صَيْفِيَّةٍ، نَغْمَاتُهَا سَرِيعَةٌ، نَبِيْلَةٌ، وَفِيهَا مِزَاحٌ رَقِيقٌ يُدَاعِبُ الْآذَانَ. أَمَّا اللَّهْجَةُ السُّورِيَّةُ، فَفِيهَا ثِقَلُ التَّارِيخِ، وَعُمقُ الْمَعْنَى، وَصَوْتُ الْحَكِيْمِ الَّذِي يَرْوِي قِصَصَ الْقُدَمَاءِ.
مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَخْتَلِفُ فِي النَّغْمَةِ وَالتَّعَابِيرِ، إِلَّا أَنَّهُمَا تَلْتَقِيَانِ فِي قَلْبٍ وَاحِدٍ، وَأَصْلٍ لُغَوِيٍّ وَاحِدٍ. تَقُولُ اللُّبْنَانِيَّةُ: “كِيفَك؟”، وَتُجِيبُ السُّورِيَّةُ: “شْلُونَك؟”، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ: سُؤَالٌ دَافِئٌ عَنْ الْحَالِ.
فِي هَذَا التَّنَوُّعِ بَيْنَ اللَّهْجَتَيْنِ، جَمَالٌ يَسْتَحِقُّ التَّأَمُّلَ. هُوَ لَيْسَ اخْتِلَافًا يُفَرِّقُنَا، بَلْ هُوَ غِنًى يُعَبِّرُ عَنْ هُوِيَّتِنَا الْمُشْتَرَكَةِ، وَيُظْهِرُ مَا فِي شُعُوبِنَا مِنْ حَيَاةٍ وَحُبٍّ وَتُرَاثٍ.
اللَّهْجَةُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ كَلَامٍ، بَلْ هِيَ مِرْآةُ الرُّوحِ، وَصَوْتُ الأَرْضِ، وَنَبْضُ الْأَهْلِ. وَمَا بَيْنَ لُبْنَانَ وَسُورِيَا، تَبْقَى الْكَلِمَاتُ جُسُورَ قُرْبَى، لَا حُدُودَ فَاصِلَةً.