
قراءة في كتاب الباحثة ليندا حجازي ” في رحاب القصيدة “
وفي شعر الأديب ناصر رمضان عبد الحميد.
تحية مغعمة بالبريق والضوء..تحية تقدير للباحثة ليندا حجازي لإعداد هذا الكتاب ” في رحاب القصيدة” الذي اختارت فيه شخصية لامعة في سماء الأدب والشعر وتحية لكل من غاص في أدب ناصر رمضان عبد الحميد واسمحوا لي أن يكون لي دور في هذه المقاربات في رحاب قصيدته أيضًا .
وأنا أوافق تماما الباحثة ليندا حجازي في أنها اعتبرت ناصر رمضان شاعراً لم يكتفِ بقطف الزهر بل يعيد ترتيب الحدائق في وجدان القارىء ويزرع القصيدة على هيئة ضوء . وأنا هنا لا أريد أن تكون دراستي لشعر الأديب ناصر لها منحى ذاتي بل موضوعي .هذا ما يضع الإصبع على نقطة البداية حيث كان الشعر . ففي البدء كانت الكلمة وهنا علينا معرفة ما إذا كان ناصر رمضان يكتب الشعر بوصفه شكلا تعبيريا ام أنه يمارسه طقساً كونيا تتجسّد فيه الفكرة ويُختبر فيه الوجود بحيث يتخطّى الشعر كونه مجازًا عن العالم ليصبح العالم نفسه .
فها نحن إزاء شاعر لا يكتفي بالبنى الإيقاعية بل يسعى إلى أن يعيد توطين الإنسان في اللغة . أما الحرف المقاوم فهو نهج شعر ناصر لأنه يمتلك حرفًا محرّكًا , ثائراً ومحرّضًا تتحوّل فيه الكلمة إلى سلاح وإلى موعظة حسنة تجنّب النفس من الهلاك والرذيلة فالشاعر هو الراهب كما يصف نفسه يعيش في صومعة الحرف ويسكن فيه ليكون إحياءً للضمير والبصيرة والذاكرة .
شعره هو مقاومة ضد النسيان ، ضد السقوط في الرتابة وإعطاء للحياة معنى وليس الإكتفاء بالقشور . فالشعر بالنسبة إليه يعيد الهيبة والقيمة إلى الحياة وفرحة المرء لا تأتي دون عمل .. وفيه أيضا علاج النفس لأن الشاعر ناصر يجد فيه الحب والشجن والنغم بحد ذاته . فراهب الشعر صار الشعر مولاه
حتى الآه في العشق تنطلق في بحور الشعر .
في هذه القصيدة “زمن الشعر ” نجد التأملات الفلسفية واللاهوتية كما نجد نظرة جديدة في مفهوم الشعر وعلاقته بالشاعر. فالشعر ليس مجرد أوزان وبحور وتنسيق كلام وحروف بل هو ملجأ الشاعر وبيته وملبسه ونظارته آلتي يرى من خلالها الأشياء ويفهم كلّ ما يدور من حوله.
الشعر هو غذاء روحه وسلاحه الذي يقاوم به وهو مصفاة تهذيب النفس ومكنوناتها وعذاباتها. لذلك طالما نشأت علاقة بين الشعر والشاعر وقلّما من مارس هذه العلاقة بكل صدق اختلافاً عمّا نجده في شعر ناصر الذي يملأ حياته ويومياته بالشعر ويعتبره الإبن الذي يرعاه ويراقبه وهو ينمو و يكبر.نعم إلى هذا الحد انظر إلى هذه العلاقة بين ناصر والشعر : علاقة أب لابنه
هذا الوفاء للحرف والقصيدة لإيمانه بلغة ” الضاد ” وعشقه لها فيقول : ولا صحوت بدون الضاد أعشقها
والضاد تمنحني ما كنت أهواه “
وهو يبرّر هذا التعلّق أو العلاقة بينه وبين الضاد التي تبرز فخره بهويته العربية والثقافية والشعرية .
كما يلجأ ناصر للشعر لاعتباره المحلل النفسي الذي يحاول الأخذ بيد مريضه الشغوف المليء بالندوب والجراح فيكون عملية تطهير وتفريغ وتحريره من الوجع كما يساعده في البحث عن ذاته المفقودة.
في الشعر يسعى إلى نسيان حبّه لكنه بدل أن ينسى محبوبته فهو يذوب فيها أكثر باستخدام الشعر وسيلة للغوص في الذات فيضيع عنها بدوره ويطالب محبوبته بأن تعيده إلى كيانه ورشده وذاته . هذه الذات التي يتماهى بها مع ذات محبوبته ويكون الشعر شريكاً في خلق هذه الهالة الروحية والصوفية كيف لا ويسمي نفسه بالراهب المتصوف .
بالإضافة إلى النزعة الوجدانية والصوفية واللغة القومية فلا يخلو شعر ناصر من الغزل وقد أشرت بأن هذا التنوع ليس غريباً على ناصر الذي لا يغفو إلاّ على حلم جديد ونهج جديد بطوّر به ويثري به رصيده الشعري والأدبي وهو لا يكتفي بتطوير ذاته بل يحثّ ويشجّع الكثيرين على المضي قدما في الكتابة هذا بالإضافة أنّه قد تطرّأ إلى دراسات وقراءات نقدية في أعمال العديد من كبار الشعراء والأدباء والروائيين وما يميزه عن سواه أنه ناصح دائم وليس أنانيا ..ورغم غنى تجربته الشعرية وزخم نتاجاته ومخزونه الأدبي إلاّ أنه متواضع وأخ وصديق ..هو تلك النحلة التي لا تهدأ والتي تجني العسل ليستفيد منه الآخرون . هذا العطاء دون حدود ودون منّة ما يميز الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد ويجعله شخصية محبوبة وإنسانية لا يكتب الشعر كحبر على الورق بل يعيشه ولا يتفّوه بالنداءات الإنسانية لفظاً بل يطبّقها بحذافيرها. فهو الأديب والروائي والناقد والصحافي والمحاور والقائد الفاضل في إدارة ملتقى الشعراء العرب والقادر على الاحتواء بفصل سعة صدره والإنفتاح على جميع الأقلام العربية دون استثناء لذلك يضاف إلى رصيده الأدبي رصيده الإجتماعي وعلاقاته الوطيدة مع شخصيات من سائر الدول .
أما أسلوبه فهو كسيل منساب بكل لطف الذي يستطيع أن يفهمه كلّ قارىء واللافت من خلال قراءات لأشعاره تأثره بكبار الشعراء فعندما يكتب فخرا تراه المتنبي وعندما يتكلم عن الوطن تجد حافظ ابراهيم وشوقي حتى القصيدة النثرية لم يهملها بل أبدع في النثر الفني كيف لا وهو المتأثر ببدر شاكر السياب وبأدونيس ومحمود درويش.
لكن لا يخفى على كلّ مطّلع على شعر ناصر بأنه من محبّي الإيقاع الموسيقي المتزامن مع الصورة الشعرية كما أنه لم يتقوقع في موضوع معين بل قد عالج مواضيع عدّة تنوّعت بين الحب والوطن والغربة والفقد والحنين والقضية والإنسان . كما تضمّنت قصائده تارة ذماً لمن أسماهم الكلاب العاديات ومدحاً لصوته الذي اعتبره بلبلا معتليا ظهر الجياد العاديات لإيمانه بأنّ صوت الحق يجب أن يعلو في الأرجاء وبأنّه القوة والتحدّي والثبات . وفي المجمل نراه داعيا إلى الحياة التي نبضها هو الشعر .
الشعر بالنسبة له هو الذي يلملم الذات من الشتات ..هو الذي يقصر مسافات الغربة عن الوجدان وهو الإيمان بالحب الوجودي الصوفي والتأملي . هو الشعر المقاوم والثائر على كل الظلم والطغاة في العالم . هو التفلسف في طبائع البشر وفي أسرار الحياة . لكن مهما تنوّعت موضوعات الشعر فلا بد من أن نجد هذه ” الأنا ” ذات الشاعر متربصة وراء الحرف لتواري خيبة ما أو جرحا ما أو أذى.
ختاما يبدو ناصر في غمار اللغة والحرف كغوّاص في عمق البحر لا يخشى الغرق بل يأمل دائما في إيجاد لآلىء ثمينة يخرج بها إلى القرّا، بأدواته الخاصة .
فالشكر لكل من قاموا بدراسات حول شعر الأديب ناصر رمضان عبد الحميد لأنهم بذلك قد أثروا رصيدهم الأدبي والبحثي كما أشكر الإعلامية والباحثة ليندا حجازي التي ركزت اهتمامها على ادب وشعر ناصر .
وتحية كبيرة نابعة من القلب لك ايها الصديق والأديب الشامل ناصر رمضان وإلى المزيد من الإبداع والألق والعطاء في عالم الحرف .
مع تحياتي
آمنة محمد ناصر
السبت ٣١/٥/٢٠٢٥