
لابوبو: حين يتحول الخوف من العدم إلى سباق استهلاكي
تبدو “لابوبو” للعين العابرة مجرد دمية ذات ملامح مربكة: بريئة في نظرتها، لكنها تنزلق سريعاً إلى منطقة من البشاعة التي لا تعرف لها توصيفًا واضحًا. منذ أول ظهورها عام 2015، قيل إنها استلهمت من أساطير إسكندينافية قديمة، حيث الكائنات الهجينة بين الإنسان والمجهول، بين اللطافة والتهديد، بين الطفولة ومخاوف الليل.
لكن الأمر يتجاوز الأسطورة.
في عام 2019 بدأت “لابوبو” تكتسب ملامح اللعبة الرمزية للزمن الذي نعيشه، حين أعادت شركة صينية إصدارها كمنتج فاخر يُطرح فجأة في الأسواق، ليصبح امتلاكه نوعاً من الطقوس الاجتماعية. انفجرت الأسواق بالسباق خلف هذه الدمية، وقفز سعرها إلى آلاف الدولارات، وتضخمت أرباح الشركة إلى ما يقارب ملياري دولار، بينما بقيت اللعبة نفسها — في جوهرها — لغزًا صامتًا يحدق فينا بعيونه الواسعة.
لكن لماذا كل هذا الركض؟ لماذا يركض الناس خلف “لابوبو”؟
ربما لأننا في أعماقنا نركض خلف صورة أنفسنا التي نخشى مواجهتها.
إن اقتناء شيء نادر ومثير، حتى لو كان بلا معنى عملي، يمنح الإنسان وهماً بالتفرد وسط جموع متشابهة تُسحق تحت الأزمات اليومية. كأننا نبحث عن نقطة ضوء صغيرة فوق جبال من الظلام، ولو كانت هذه النقطة دمية ببشاعة ناعمة.
إن لابوبو — في صورتها — إسقاط حاد على زمننا: زمن استبدلت فيه الإنسانية قلقها الوجودي باستهلاك مفرط. زمن أصبحت فيه الحاجة إلى الانتماء أو التميز تُشترى بثمن فاحش، بينما في أماكن أخرى من هذا العالم، هناك من يقف في طوابير للنجاة من رصاص الحروب، أو من أجل كسرة خبز، أو جرعة دواء.
“لابوبو” ليست مجرد لعبة.
إنها وجه الزمن الجديد:
زمن تداخلت فيه الطفولة مع الرعب، والبراءة مع الفجور المالي، والاحتياج مع العرض المحدود، والفقد مع الشراء الهستيري.
زمن صرنا فيه جميعاً أطفالاً كباراً نرتدي وجوه البراءة، لكننا في العمق نخاف العدم. نخاف أن لا يكون لنا مكان في هذا النظام الذي يصنع الأحلام بقدر ما يصنع الكوابيس.
في كل مرة تُطرح دفعة جديدة من “لابوبو”، تتكرر المسرحية ذاتها:
ركض، سباق، صراع على الامتلاك.
وكأن العالم يحاكي طبيعته الأصلية: سباق بقاء، لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي يدفع شعوباً كاملة إلى الهروب من جحيم الحروب واللجوء.
⸻
نحن لا نعيش لعبة “لابوبو”، بل نحن أنفسنا اللعبة الكبرى.
نقف في طوابيرها… طوابير الخوف، والاستهلاك، واللاجدوى