
من يديك بدأ الدفء
أبي…
كنتَ تمشي فوق الأرض
لا كمن يُمسك خطاه،
بل كمن يهمس للترابِ أن: قُمْ،
كمن يعرف أن الجبال تستمدّ ثباتها
من دعسة قدمٍ لا تُفاخر… لكنها لا تخون.
كنتَ تُخفي تعبك
كما تُخفي الجذورُ أنينها في باطن الصخر،
لا تبحث عن مجد،
بل عن ظلٍّ يكفي
لئلا تحترق أرواحنا بنورٍ زائد.
لم تكن جبلاً…
كنتَ الهامش الذي يتكئ عليه الجبل،
والصمت الذي يُبقي الريحَ حيّةً
حتى حين لا تصغي لها الأشجار.
كنتَ الجدار الذي لا يَميل،
حتى حين تتهدّم الأماني كأبنية مُهملة،
والباب الذي لا يُغلق،
حتى حين تنقطع الطرق
وتشيخ المفاتيح في جيوب الغياب.
كلّ صباح،
كنتَ تُخفي الشمس في كفّك،
لا لشيء…
إلا لننعم بالدفء
ولا نرتجف من الضوء.
كلّ ليل،
كنتَ تزرع طمأنينتك في وسائدنا،
كي ننام ونحن نظنّ
أن العالَم لا يخيف.
أبي…
لم أكتبك يومًا،
لأنك كنتَ أكبر من القصائد،
أقدم من اللغة،
وأكثر صدقًا من الحروف.
كنتَ تكتبنا بحضورك،
بصمتك،
وباليد التي وقفت بيننا وبين سقوطٍ لم نره.
واليوم،
حين أفتّش عن معنى “الطمأنينة”،
لا أجدها في الأشياء،
بل في ظلّك الممتدّ في داخلي،
وفي طريقتك في الصمت…
كأنك تقول للعالم: لا تخف.
أبي،
كنتَ المعنى حين تعجز الحروف،
والسند حين ينكسر القلب،
وملحَ الأرض في زمنٍ صار بلا طعم.
حفظك الله…
كما تُحفَظ الأرواح في قلوب من يعرفون الحب،
وكما يُخبّأ النور في عيون من لا يُطفئون أحدًا.
✍🏻 نازك الخنيزي