محمد سلماوي… رجل دولة في محراب الكلمة – في ذكرى بلوغه الثمانين
في الثامن والعشرين من مايو عام 1945، وُلد الأديب والمثقف المصري الكبير محمد سلماوي، الذي لم يكن مجرد كاتب أو صحفي أو رئيس اتحاد، بل كان رجل دولة حقيقيًّا، يحمل هم الوطن والثقافة، ويؤمن أن الكلمة لا تقل شرفًا أو خطورة عن السلاح.
امتدت مسيرته الإبداعية إلى الصحافة والرواية والمسرح، فتولى رئاسة تحرير جريدة الأهرام إبدو لسنوات، وترك بصمته في المشهد الثقافي العربي من خلال مؤلفاته المتنوعة، منها:
الرجل الذي عادت إليه الذاكرة
أجنحة الفراشة
(رواية)
الجنزير (مسرحية)سقوط باريس
العصف والريحان
(مذكرات)
وكتاب يوما أو بعض يوم، الذي روى فيه سيرته الثقافية والسياسية في مرحلة مفصلية من تاريخ مصر.
تولى رئاسة اتحاد كتاب مصر في فترة حرجة، فنهض به إداريًا وثقافيًا، وعمل على توسيع علاقاته عربيًا ودوليًا، واستعاد للاتحاد هيبته ودوره، رغم ما كان يثار حوله من انتقادات تبقى دومًا جزءًا من معارك الأدوار العامة.ولعلّ من أصدق ما يمكن أن يُروى عنه في هذه المناسبة، موقف شخصيّ أحمله له بامتنانٍ عميق. ففي إحدى السنوات، وصلتني دعوة رسمية لحضور مهرجان الشعر العربي في مدينة الناصرية العراقية، وذهبت إلى السفارة العراقية للحصول على التأشيرة، فرفض السفير العراقي آنذاك، السفير دبوس، منحي التأشيرة، دون إبداء أسباب واضحة.
تواصلت حينها مع الأستاذ محمد سلماوي، وكان يشغل وقتها رئيس لجنة كتابة الدستور، فأخبرني أنه مشغول في اجتماع لكنه سيتواصل معي حين يفرغ. ظننت أنه يتحاشى الأمر، لكنه فاجأني في العاشرة مساءً باتصال هاتفي، سألني فيه بتفصيل عمّا جرى، ثم قال: اذهب غدًا إلى السفارة وستجد كل شيء جاهزًا.
وفي اليوم التالي، ذهبت كما قال، فوجدت السفير بانتظاري، وقدّم لي اعتذاره، مبررًا رفضه السابق بخوفه من الأوضاع الأمنية في العراق، خاصة في ظل تمدد تنظيم داعش آنذاك، وحرصه الشخصي علي. شعرت وقتها براحة داخلية عميقة، وبتقدير لرجل وقف إلى جانبي دون تردد، وبحكمة وصمت.
هذا الموقف، ورغم بساطته، يعكس جانبًا خفيًا من شخصية محمد سلماوي، الذي ظلّ حتى في ذروة انشغالاته الرسمية، قادرًا على أن يتصرف كأخ وأديب وإنسان، لا كموظف أو مسؤول.
في ذكرى بلوغه الثمانين، أرفع له التحية والدعاء بالعافية وطول العمر، معتزًّا بأنني عرفت في يوم من الأيام رجلاً بهذا النقاء والبأس، رجلًا اسمه محمد سلماوي… كاتبًا ومثقفًا، وصوتًا نزيهًا في وجه العواصف.
ضحكاتنا /غادة الحسيني
ضحكاتنا تطفو فوق الموج تعبر المسافات بلا أجنحة لكنها لا تصل أمد يدي إلى الفراغ كأنني أرجو المعجزة أستدعي وجهك...
اقرأ المزيد