بين الجوهر والقشور
أتجاهل بصمتٍ
ضجيجًا يخرق سكوني…
كأن الزيف في هذا العصر
صار موسيقى،
نطرب لها ونحن نحتضر.
كيف أصبحنا أجسادًا تمشي
بعقولٍ مجففة،
وأرواحٍ تشبه أوراق الخريف؟
أضعنا ذواتنا
في زمنٍ تصدّرت فيه التفاهة،
وسقطت القيم كأصنامٍ بالية.
نبحث عن حقيقتنا
كأنها مفقودة في سراديب العقل،
وحين نرى العاقل
ننظر إليه بدهشةٍ،
كما يُنظر إلى الغريب وسط عرسٍ للأقنعة.
أمرُّ بجانب الحياة
وأسألها:
لماذا صار المنافق محبوبًا؟
لماذا أصبح الكاذب أنيقًا
والصادق منبوذًا؟
كيف تسلّق الذئب عرش الأسد،
وصار للسارق هيبةُ الأمير؟
أصغي لجَلْدِ الأفعى،
أجده ناعمًا،
لكن سمَّه يسري في جسد الطيبين بلا مبرر.
غاب عنوان النور،
وصرنا نعبد المظهر،
نكسر المرآة إن كشفت قُبْحَنا،
ونمجد من يجمّل الزيف على المدى.
نركض خلف القشور،
نقيس الجاه بما نملك،
لا بما نكون.
نصفق للجلاد،
ونشمت بالمجروح.
من الكبار حتى الصغار،
نتقن التملق
ونتوارى عن قول الحق،
كأن النور فضيحة.
نلعن المفكر،
نجلد الحالم،
نحرق الكتب
ونزرع تماثيل للفراغ،
نرفع الجهلَ تاجًا،
ونُنَصّب الباطلَ قدوة.
صرنا نغني للعار،
ونكتب للضياع،
ونحمل في جيوبنا مفاتيح الزنازين،
ونقفل بها أبواب العقل.
أصبحنا نقيس الحضارة
بعُرْيِ الجسد،
ونفهم الحرية
كتمردٍ أجوف على العادات.
يا لحماقة الزمان!
كيف غبنا عن أنفسنا
وبحثنا عنها في المرايا المكسورة؟
ندعو الله في المعابد،
لكننا نغلق أبوابه في سلوكنا.
رحم الله العاقل…
يتألم بصمتٍ بين ضجيج المجانين.
رحم الله الطيب…
يرفع راية الإيمان
في وجه الحقد والنار.
نحارب الناجح
كأنه ارتكب ذنبًا،
نمدح الفاشل
كأنه نبيٌّ من زمنٍ آخر.
نخشى النور،
وننحاز لظلّ الظالمين.
حضارتنا أوراق مزيّفة،
مدارسنا ضجيج،
كتبنا بلا روح،
أقلامنا جافة،
وصوتنا… ساكت.
فلتبكِ علينا الشمس،
ولتنوح السماء.
من اقتلع جذورنا؟
من زرع فينا رياح الرياء؟
تبًّا لنا…
لوجهنا الكاذب في مرايا الزمان.
صرنا نحارب الحق،
باسم السلام.
نصارع الجوهر،
لنحمي القشور.
خلود رجا مرعي