سلطان اليراع
الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد: سيرة إبداعية بين الحرف والموقف بقلم الأديبة /جمال عبيد
—
✍️ مدخل الدراسة:
ليس كل من كتب صار كاتبًا، ولا كل من نظم صار شاعرًا، فثمة من يتلبّسه الحرف حتى يصير نبضه، ومن يشتبك مع المعنى حتى يذوب فيه… ومن هذا الطراز الفريد، يطلّ علينا الشاعر والكاتب والناقد ناصر رمضان عبد الحميد، حاملًا إرثًا من القلق الجميل، والبحث الدؤوب، والالتزام الثقافي، حتى استحق بجدارة أن يُلقب بـ”سلطان اليراع”.
ولد ناصر رمضان في 21 يوليو 1975، ولم تكن ولادته في الزمان فقط، بل في المعنى أيضًا؛ إذ امتدت تجربته الإبداعية على مدى عقود، ليكون واحدًا من أبرز الأقلام العربية التي جمعت بين الشعر، والنقد، والفكر، والعمل الثقافي الميداني. لقد خاض معارك الكلمة بشغف لا يفتر، وأسّس مسارات معرفية تتقاطع فيها القصيدة، والرؤية، والموقف، ليترك أثرًا لا يُمحى في المشهد الأدبي العربي المعاصر.
🖋️ شاعرٌ… ومشروع
مع صدور المجموعة الشعرية الكاملة في سبعة أجزاء، والتي تضم أكثر من عشرين ديوانًا، تتنوع فيها التجربة بين الذاتي والوطني، العاطفي والوجودي، نقرأ شاعرًا لا يكتفي بأن يكون صدى للعالم، بل يسعى ليعيد صياغته على طريقته. من “قالت لي أمي” و”حديث النار”، إلى “في مديح الخيبة” و”نزيف الغربة”، يضعنا ناصر أمام خريطة وجدانية تتقاطع فيها الأحلام والخيبات، الأمل والانكسار، في نسق شعري ينبض بالحياة.
في دواوين مثل “لن أنسحب” و”أنا عرّاب قافيتي”، تتجلى شخصية الشاعر المقاوم، الذي يرى في الكلمة موقفًا، لا زخرفًا، وفي القصيدة سلاحًا لا زينة.
أما ديوانه “بي حيرة الصياد”، والذي تُرجم إلى الفرنسية وطُبع في باريس، فيُعد خلاصة روحه القلقة، وتجربته الشعرية الناضجة، ويمثل مرآة لإنسانٍ يُطارد المعنى في زمن متشظٍ.
📚 فكرٌ موسوعي… وأفقٌ نقدي
لم يتوقف ناصر رمضان عند الشعر، بل انفتح على أبواب الفكر والنقد والصحافة. فقد ألّف أكثر من 90 كتابًا في مجالات متعددة: من “فقه الشعر” و”جدلية السرد والشعر”، إلى “الإنسان وفيزيائية الإبداع”، حيث يُؤسس لرؤية جديدة للنقد بوصفه عملية عقلية فيزيائية ذات مدخلات ومخرجات، تكشف البُعد الخفي في الكتابة.
ومن خلال أعماله في “فقه القصة”، “فقه الرواية”، و”فقه الإبداع”، يتجلى مشروعه في تقنين الجمال، وتأطير الفن في رؤية تجمع بين الحس الجمالي والتحليل العقلي، في طرح لا يخلو من جرأة وتنظير جديد.
🌐 مؤسسة ثقافية متنقلة
ناصر رمضان ليس شاعرًا وكاتبًا فحسب، بل مؤسسة ثقافية متحركة، تمثلت في دوره الفاعل كمؤسس ورئيس لـملتقى الشعراء العرب، ورئيس تحرير لمجلة أزهار الحرف، وجهوده في إعداد الموسوعات الأدبية، مثل “مدارات الحب”، و”موسوعة القصة القصيرة”، و”موسوعة من أزاهير الأدب”، وغيرها من المبادرات التي تهدف إلى حفظ الإبداع العربي، وتسليط الضوء على التجارب المتنوعة، خاصة النسائية منها.
وقد كتب عن تجربته عشرات النقاد، وتُرجمت نصوصه إلى لغات العالم، مما يدل على عالمية الأثر واتساع الأفق.
🎓 الانتماء والمعرفة
ناصر رمضان عضو في اتحاد كتاب مصر، ورابطة الأدب الإسلامي، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، مما يعكس انتماءه للثقافة بمفهومها العميق والجمعي، لا بوصفها ترفًا، بل ضرورة وجودية.
في كتاباته عن الهوية، والمرأة، والعروبة، والحرية، لا يكتب من برج عاجي، بل من معترك الحياة، مدفوعًا بشعور داخلي بالمسؤولية تجاه مجتمعه وأمّته. كتابه “العرب إلى أين؟”، و”المرأة إلى أين؟”، و”ثمن الحرية”، تشهد بذلك.
🪶 خلاصة
إن الحديث عن ناصر رمضان عبد الحميد، هو حديث عن تجربة لا تُختصر بكلمة، لكن إن أردنا ذلك، لقلنا:
> هو سلطان اليراع…
شاعرٌ حين يُنشد، وناقدٌ حين يُفكّر، ومثقفٌ حين يُبادر، وإنسانٌ حين يكتب.