د . منى نوال حلمى / مصر
================
كهنة الثقافة وآلهة الفكر
===============
القضايا الثقافية ، والقضايا الدينية ، دائما وابدا ، ” ضفيرة ” واحدة ، وفى بعض الأحيان وهى ليست قليلة ، لا نستطيع معرفة من منهما الخصلة الأولى فى الضفيرة ، الا باعادة قراءة التاريخ ، وايجاد رابط بين أشياء يقال أنها غير مرتبطة ، وباعادة تشغيل
العقل ، وتأمل تجارب البشر فى أماكن مختلفة الأزمنة .
من هذا المنطلق ، سأتكلم عن الفكر ” الكهنوتى ” ، الذى نعانى منه بشدة فى بلادنا .
الفكر الكهنوتى ، كما أعتقد ، ليس فى الأديان فقط ، مثلما يظن الكثيرون . انه ” ثقافة ” فى المقام الأول ، وتتخذ فى أوقات معينة ، أشكالا وصورا ، لها الجذر نفسه وأقصد به
” الوصاية ” على البشر .
فى وقتنا المعاصر ، مثلما نعاني من الإرهاب تحت ستار، «الديـن» توجد ظاهرة أخـرى موازية هي الإرهاب تحت ستار «الثقافة». مثلما هناك جماعـات تـقـوم بتكفير البعض، والمطالبة بإهدار دمه، وتصفيته جسديا باسم الدين . هناك «شلل» تقوم بتكفير البعض فكريا، وإهدار دمـه إعلاميا، وتصفيته أدبيا باسم الثقافة.
مثلما هناك جماعات تدعى امتلاك الحقيقة الدينية، نجد جماعـات تدعى امتلاك الحقيقة الثقافية.
الأولى : تزعم أحتكار تفسير الدين، والحكم على المؤمنين والمؤمنات.
والثانية : تحتكر تفسير الثقافة والفن والأدب والحكم على المفكرين والمفكرات.
امتلأت حياتنا الثقافيـة بـ «الكهنة» أغلبهم من الذكور، الذيـن يسترزقون لقمة العيش ، ولقمة الشهرة ، من ” التفقه” في تصنيف الأدباء والأديبات، ونقد المبدعـين والمبدعات. ولديهم قائمة اغتيالات معنوية، لكل منْ لا يؤدى طقوس الطاعة والولاء، ولكل منْ يتعفف عن تقديم القرابين.
ولديهم أيضا، قائمة اتهامات جاهزة ، للانقضاض على كل أديب، أوأديبة، مبدع أو مبدعة، أثبت وجوده من خارج عباءتهم، وليس في حاجة إلى رضاهم وبركتهم وشفاعتهم.
والكارثة أن هؤلاء «الكهنة» الذين نصبوا أنفسهم «آلهـة» الثقافة والفكر والإبداع والنقد ، يعرفون الطريق أكثر من غيرهم ، إلى وسائل الإعـلام، خاصة المرئية ، ووسائل التواصل الاجتماعى . وبالتالي هم ينجحون في اختراق الرأي العام ، وإفساد الذوق الثقافي.
إن كهنة «الأديان» يحشون أدمغة الناس بما ينسجم مع تفسيراتهم الشخصية للدين، ومصالحهم السياسية الخاصة ، وأمزجتهم وأسلوب تربيتهم ، وعلاقتهم بالمرأة والفن. وكهنـة «الثقافة» يحشون أدمغة الناس ، بمنْ يدعم رؤيتهم الخاصة للثقافة والإبداع .
وكما يقف أصحاب الإرهاب الديني طبقة عازلة بين الناس وجوهرالدين الحقيقي، الذى يشترك مع كل الأفكار الوضعية العادلة ، يحجب أصحاب الإرهاب الثقافي عـن النـاس بـجـدار سميـك معنى الثقافة الحقيقية وجوهر الإبداع الأصيل.
إن كهنة «الثقافة» وكهنة «الأديان» يدعمان بعضهما البعض. وهما ظاهرتان يفرزهما مناخ واحـد وترسخهما منظومة واحدة ، أو لنقل إنهما وجهان لعملة واحدة، وإن كنا نرى أن كهنة «الثقافة» هـم الأكثر خطورة . فاستمرار الإرهاب الديني ، مرهون بسيادة الفكر الواحـد والتعصب لرؤى فكرية محددة تفرض حصارها وسيطرتها . وهذا بالتحديد ما يرسخه كهنة «الثقافة» . هم يزرعـون بـذور «التعصب» الفكـرى ، و«التزمت» الإبداعي، كأسلوب حياة ونمط للتفكير.
حركة الحياة، وإن أصابها بعض التراجع، هي دائمـا نحو الارتقاء، ولذلك فإن أصحاب المؤسسات «الكهنوتية» وأنصار الفكر «الكهنوتي» في الدين والثقافة على حد سواء، هم إلى زوال.
حركة الحياة ، وان انتكست أو تكاسلت ، فهى كالشلالات لا أحد يوقفها ، أو يفسد تدفقها .
==================
كهنة الثقافة وآلهة الفكر د. منى حلمي
د . منى نوال حلمى / مصر ================ كهنة الثقافة وآلهة الفكر =============== القضايا الثقافية ، والقضايا الدينية ، دائما...
اقرأ المزيد