تعليق لزينب الحسيني
النص :
نوستالجيا: مشاهد مسرحية قصيرة من أحلام يقظة.
بقلم: الأديب والناقد د.خالد بوزيان موساوي.
المشهد الاول:
الخشبة وعاء عقاري فارغ إلّا من شجرة هَرِمة تغرّد والرياح أنشودة الخذلان والعِصيان..
علّق مُصمّم الديكور في عمق خلفية المكان صورة لامرأة من زمن وَلّى…
يقول “البرولوغ” (الرّاوي):
هذه الصورة تشبه إحدى المعلقات السبع على الكعبة… حنين ونوستالجيا إلى “سوق عكاظ”؛ ذكرى وأطلال وقلوب موءودة… هذه المرأة هناك داخل إطار الصورة المعلقة في عمق خلفية ألخشبة هي من وطأت قدماها آخر وُرَيْقات زهرة الحب في بستان هذا الرجل الكهل (يُشير إليّ). ليتَ العصارة يومها كانت عِطرا… ليتَ الدّمعات حينها انهمرت مطرا… ما كان دم المذبوح عشقا ينساب حِبرا…
المشهد الثاني:
خرجت المراة من إطار الصورة وكأنها “العنقاء” بُعِثت من صمْغ يَراع شاعر… وكأنها طيْف “هَمْلِتْ” (شخصية شكسبيرية) تراقب من وراء نافذة الأساطير العجيبة… وكأنها قصيدة شِعر خارج قوارب البحور والقوافي العتيقة… لَفّتْ شَعرها بوشاحِها الأزرق… قصدت الشجرة التي كنتُ ألوذ بها ساعة ضيم وكآبة وعبادة…
سألتني، كما سألتْ الساحرة الشريرة في حكاية “بياض الثلج” (Blanche neige) مرآتها:
ـ من الأجمل؟ أريكتك الغريبة ؟ أم انا حبيبتك صاحبة الشال الأزرق “إيلدا”؟
أجبتُها: لمّا يغيبُ الماء، أستبيح التيمّم بوسادتي حارسة احلامي العجيبة.
سألني الراوي:
ـ كنتُ أرى ريشة الخريف قد سطّرت على جبهتك خطوطا كما طلاسم من حكايا غريبة بنهايات مفجعة أليمة، وطَلَت شعرك بلون الثلج، يُنبِئ بسبات عميق … وكنتُ سأسألكَ:
ـ هل ذابت شموعك ونامت؟… هل انزل ستار مِحرابك؟… لكني أرى صاحبة الشال وصورتها قد تبخرتا… هل شفيت؟… هل سنشعل فانوس “فينوس” (Vénus) جديدة ويبدأ مشهد العرض هذا على نغمات “سوناتا” من “كونشيرتو” جديد؟… ثم صرخ:
ـ اخرس يا “تينور” المآسي… غيروا الأركسترا…
المشهد االمفتوح إلى ما لا نهاية:
غرَّد سِرب عابر من طيور ابابيل أغنية الحياة؛ ردد ينشد:
هذه بذرة قد سقطت أرضا وسهوا من منقار طائر مهاجر
تاه عن سربه قبل ان يكمل رحلته ذاك السرب المسافر…
قمْ من سباتك واحتضنها في مروج قصائدك يا شاعر…
افتحوا الأبواب والنوافذ… لا … لا.. لا تنزلوا الستائر.
التعليق:
نص رائع يبدو كمشهدية إبداعية فانتازية بامتياز.
هو حوارية خارجة عن المألوف بين الراوي الذي يحمل نص الشاعر وبين الشاعر نفسه، في آن معا.
في “أحلام اليقظة”
نوستالجيا تستدعي تداعيات ” لسوق عكاظ” وترميز وإيحاءات لأشعار شكسبير ولأساطير عجيبة، واسترجاع نوستالجي لقصائد
“صاحبة الوشاح الأزرق” حيث عاد الشاعر يبعث “إيلدا” من”صمغ يراعه” فتعود ك”عنقاء” ويعود
“انبعاث” الأمل ليذكرنا
بثنائية: الحياة/الموت، وتبزغ
من الوجود “بذرة” تجدد وتجديد لتعشش في
“مروج قصائد” الشاعر وتشي بإبداعات قادمة وخارجة عن المألوف.
* وبخصوص التكنيك الفني:
إن “أحلام اليقظة” التي شرنقت الشاعر لحظة انبثاق
القصيدة ، هي بمثابة تجارب
تخييلية تحدث أثناء اليقظة،
وترتبط بتحقيق رغبات أو امنيات صعبة أو مستحيلة
التحقيق واقعيا، لكنها تعزز الإبداع لما ينسجه الشاعر في
مخيلته من خيوط الحبكة الفانتازية اللامألوفة.
لذا ليس من السهل آن نحدد جنس هذا النص ، فهو نص شعري مسرحي وحكائي شيق، ومن هنا تأتي فرادته وتميزه..