الكاتب والذكاء الاصطناعي: بين الوعي النقدي وأمانة الإبداع
***
في زمن تتسارع فيه التقنيات، وتزداد فيه هيمنة الذكاء الاصطناعي على مختلف مجالات المعرفة والإبداع، بات لزاما على الكاتب، والشاعر، والناقد، أن يتعاملوا مع هذه الأدوات الحديثة بوعي نقدي، ومسؤولية فكرية، تحفظ للإبداع قيمته، وللمنتج الأدبي صدقه وجدارته.
فالاعتماد على البرامج الذكية دون تمحيص أو وعي لغوي ونقدي قد يؤدي إلى تزييف النصوص، وإفراغها من روحها، وتحويلها إلى مجرد جمل منسوخة بلا إحساس، أو مقالات متراصة بلا روح. وهنا تأتي أهمية الثقافة النقدية واللغوية لدى الكاتب، إذ لا يكفي أن يُدخل بعض الكلمات أو العبارات ليحصل على نص جاهز، بل عليه أن يعي كيف يُدخل مدخلات دقيقة ومضبوطة، وأن يمتلك أدوات تقويم النص الناتج، سواء من حيث المعنى أو البناء أو الأسلوب.
أما الشاعر، فالأمر أشد خطورة. فالشعر، وإن استخدم الذكاء الاصطناعي في صوغ بعض صوره أو تفعيل بعض أنماطه، يظل في جوهره تجربة شعورية، تنبع من الداخل، وتتغذى من الوجدان، وتتشكّل من المعاناة، والذاكرة، والرؤية. لذلك لا بد أن يكون لدى الشاعر إلمام بعلم العروض حتى يميز الوزن الصحيح من المختل، ويحافظ على إيقاع القصيدة، دون أن يقع فريسة للنظم الآلي الجاف.
ومن مقتضيات الأمانة العلمية أيضا أن يرجع الكاتب إلى المصادر الأصلية التي تُذكر له، ما أمكن ذلك، خاصة حين يتعلق الأمر بالاقتباسات أو التوثيق أو عرض الآراء. فبعض ما تقدمه البرامج من معلومات قد يكون غير دقيق، أو منسوبا إلى غير أهله، مما يُضعف العمل، ويشوّه مصداقيته.
في النهاية، لا يُعوَّل على الذكاء الاصطناعي باعتباره بديلا عن الإنسان، بل هو أداة يمكن أن تساهم في تحسين جودة النص، وتسريع عملية الكتابة، لكنها لا تُنتج أدبا حقيقيا من فراغ. الأدب يُصنع من التجربة، والوعي، والشعور، والذائقة، وهي أبعاد إنسانية لا يمكن محاكاتها آليا بالكامل.
إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون شريكا في الإبداع، لكنه لا يمكن أن يحل محل الكاتب أو الشاعر أو الناقد، ما لم يكن هذا الأخير واعيا بدوره، عارفا بأدواته، ومتمسكا بروح الإبداع الحقيقية.