“حفلة التفاهة” لميلان كونديرا: حين تصبح السخرية أداة لفهم الوجود بقلم /أشواق سليمان
اجتمع فريق صدى يوم الاثنين بتاريخ 7/7 الساعة العاشرة والنصف، لمناقشة رواية حفلة التفاهة للكاتب التشيكي-الفرنسي ميلان كونديرا.
وُلد ميلان كونديرا عام 1929 في تشيكوسلوفاكيا، وتوفي في باريس عام 2023 عن عمر ناهز 94 عامًا. كان والده عالم موسيقى ورئيس جامعة، مما أثّر على تكوينه الفني المبكر، إذ تعلم العزف على البيانو في طفولته.
درس كونديرا الموسيقى والسينما والأدب في جامعة كارلوفا، ثم أكاديمية الفنون في براغ. انتمى إلى الحزب الشيوعي، لكنه فُصل منه بسبب ميوله الفردية، ثم عاد إليه، ليُفصل مرة أخرى. سُحبت منه الجنسية التشيكوسلوفاكية عام 1979، ثم حصل على الجنسية الفرنسية عام 1981، واستعاد جنسيته التشيكية عام 2019.بدأ كونديرا أعماله الأدبية بالشعر، ثم انتقل إلى الرواية، وكانت أولى أعماله المهمة مجموعة قصصية بعنوان غراميات مضحكة.
من أشهر رواياته: المزحة، كتاب الضحك والنسيان، وكائن لا تحتمل خفته، والتي سنناقشها في الأسبوع القادم. أما آخر أعماله فكانت رواية حفلة التفاهة، موضوع نقاش هذا اللقاء، والتي تُعد تتويجًا لفلسفته الأدبية التي تمتزج فيها الفلسفة بالسخرية وبالواقعية السحرية.تناولت الرواية قضايا الوجود والهوية والذاكرة، في ظل الأنظمة الشمولية، وقد كتبها كونديرا بعد تجاوزه الثمانين من عمره، مما منحها عمقًا وخبرة حياتية واضحة.
يدور الموضوع الرئيسي حول “التفاهة” كجوهر للوجود، ويُعالج عبر حكايات غير مترابطة ظاهريًا، مثل قصة ستالين الساخرة عن صيد الحجل، والتي تظهر من خلال التهكم والسخرية عبثية السلطة المطلقة، والقمع الذي تعانيه شعوب أوروبا الشرقية.فنيًا، تستخدم الرواية أسلوب “تعدد الأصوات” من خلال أربع شخصيات رئيسية في باريس، يمثل كل منها وجهًا مختلفًا للتفاهة. تدمج الرواية بين التاريخ والتأمل الفلسفي، وبين السياسة والوجود الإنساني والهزل. السياق السياسي حاضر بقوة، لا سيما أن الكاتب نفسه عانى من القمع السياسي.
قصة ستالين في الرواية تُعد نقدًا لاذعًا لآليات الخوف وثقافة الصمت في الأنظمة الشمولية، وهي آليات عانينا منها في دول شرق المتوسط بشدة. يقدم كونديرا فكرة “حب التفاهة” كوسيلة للتحرر من تلك الهيمنة.
يتقابل في الرواية صفات لإظهار الشيء وضده؛ إذ يُقدَّم، بأسلوب فلسفي، مفهومان متضادان: الخفة والثقل، بوصفهما وجهين لصراع حرية الاختيار وثقل المسؤولية. كما يقدم النسيان كآلية سياسية وفردية لمحو الهوية. أما المنفى، فيُصوَّر كفقدان للجذور واكتشاف لهوية جديدة، كما حدث مع الكاتب نفسه.
في القصص الثلاث: قصة ستالين، مسرح العرائس، ومشهد المباول، يبدو أسلوب كونديرا تهكميًا، معتمدًا على السخرية السوداء.
استخدم الكاتب أسلوب دمج التاريخ بالخيال، بلغة جميلة وتكثيف شعري، من خلال جمل قصيرة وأقوال وحكم عامة تختزل رؤى فلسفية عميقة.
نلاحظ أيضًا كثرة الاقتباسات المنتشرة في الرواية.تعددت الآراء حول الرواية؛
منهم من رأى أن هذا العصر هو عصر التفاهة، واختفاء القيم والأخلاق. ومنهم من شبَّه “مزحة كورونا” بنظام تفاهة عالمي غير مبالٍ وغير إنساني.
رأى بعضهم أن وجود رؤساء تافهين على رأس الدول هو قمة التفاهة، وآخرون فرّقوا بين التفاهة واللامبالاة الإيجابية، محذّرين من تجاوز هذا الخط الرفيع.
ورأى فريق آخر أن “قليلًا من التفاهة” قد يحتاجها الإنسان أحيانًا، بسبب قسوة الواقع.في النهاية، تترك الرواية للقارئ حرية التقرير، ولكن بعد أن تُريه بوضوح ما يحصل من حوله، وما قد تبدو عليه حياتنا حين تسودها التفاهة، لا كحالة سطحية، بل كحالة وجودية وفكرية تستحق التأمل.
الشاعر نجات سعد الله بقلم الأستاذ الدكتور السفير بكر إسماعيل الكوسوفي
الشاعر/ نجات سعد الله: صوت الذاكرة والهوية في الشعر الألباني المعاصر دراسة تحليلية في النص، الرموز، والانتماء المكاني بقلم: الأستاذ...
اقرأ المزيد