حبرٌ يثقب الورق ثم يختفي — كيف نوقف الحبر الذي يثقب أوراق مجتمعنا؟
(بقلم :منار السماك-مملكة البحرين)
في فضاءٍ بلا نوافذ، بلا أبواب بلا يقين حيث الأوراق تتكدس فوق بعضها كجثث أفكار قديمة يظهر الحبر ككائنٍ ناعم الملمس حاد النوايا يثقب الورق بخفة خنجرٍ لا صوت له ثم يختفي، كأنه لم يكن تاركًا ثقبًا لا يُرى لكنه لا يُشفى
في هذا الفضاء المغلق حيث تتراقص الكلمات كأشباح لا تُلامس يتجول أناسٌ بأقلام مزركشة يوزعون كلماتٍ مدهونة لكن حين تسقط الأقنعة لا يبقى إلا حبرٌ أسود يخترق أوراقنا كل يوم يكتب (الخير العام ) بخط اليد اليسرى ويحوله بطلاء الفضيلة ويضحكون كأنهم في إعلانٍ عن العطاء إلى مصلحة خاصة تُوقع في الزوايا المظلمة لك التي لا يصلها ضوء الحقيقة حيث تصير الشفافية مجرد أسطورة تُروى في قصص الليل يحدث أن يتطور الإنسان أو هكذا يخدعوننا كما يُخدع الليل حين يظن أن الفجر قريب يحدث أن يخبرونا أن التكنولوجيا فتحت الأفق لكنها فتحت الجيوب أيضًا وفتحت أمامهم أبوابًا جديدة لصيد البراءة.
الوجوه ذاتها فقط تم تحديث الواجهة كالبرامج التي لا تغير إلا الواجهة بينما تبقى الفيروسات تهاجم في صمت والحبر
لم يتغير فقط أصبح رقميًا أسرع في الاختفاء أعمق في التسلل وأقل قابلية للمسح.
هم لا يخدمون المجتمع بل يصنعون منه واجهة عرض مزيفة معرضًا لصور لا تعكس سوى رغبتهم في البقاء فوق كل شيء يقيمون أبراجًا من خطابات مطاطية يملؤونها بضحكات استعراضية ثم يتركونها تنهار فوق رؤوس البسطاء كما لو أن السقوط جزء من العرض وجزء من اللعبة التي لا تُفك شفراتها إلا بمفتاح الوعي.
يتحدثون عن الحب بينما يزرعون خوفًا ناعمًا لا يُرى يلونون به سماء عقولنا كما يلون الرسام لوحته الأخيرة قبل أن يغادر المكان.
يخدرون الوعي بعبارات مثل:
نحن نعرف و نحن نخطط و نحن نعمل من أجلكم والحقيقة؟
إنهم لا يعملون إلا لأنفسهم ولا يعرفون سوى أصواتهم ولا يخططون إلا لمزيد من الحبر الذي سيظل يختفي لكن أضراره لا تختفي.
كيف نوقف هذا الحبر؟
كيف نحمي الورق الذي هو نحن ذاك الذي تآكل من كثرة الثقوب؟
هل نثور؟
هل نمزق الأوراق؟
هل نكسر الأقلام؟
لا…
الورق لا ينتصر بالغضب
بل بالوعي
وبتلك الصمتات التي تُكتب فيها قصائد الثورة الخفية والقراءة التي لا تُتلى.
فلنكن الورق لا الحبر لنكن الصفحة التي ترفض أن تُثقب بلا معنى التي لا تخاف الفراغ لكنها ترفض الزيف والسطحية التي تُروج للظلام تحت اسم النور لنكتب معًا قصيدة صمت عميقة تُعرّي الأقنعة وتُشعل في عتمة البياض نارًا لا تنطفئ نارٌ لا يحتاج فيها الحبر أن يكتب ليُحدث الفرق.
الحبر يختفي دائمًا يختفي
لكن الورق هو من يتذكّر كل شيء