“دفء الغياب”
في الذكرى السابعة لرحيل والدتي عليها رحمة الله
16/4/1949 – 12/7/2019
نجوات محمد عبد الله
ونجوات: جمع “نَجوة”، وهي المرتفع من الأرض، وكأنها وُلدت لتكون في موضعٍ عالٍ من الحبّ، تطلُّ منه على أرواح من حولها، وتحتضنهم كما يفعل النور حين يسكب ذاته على القلوب.
يا لوجهِ الصباح الذي كان يسكن بيتنا، يتنقّل في الزوايا، في الملامح، في الصفات. كانت ملامح أمي كأنها لغة من لغات الضوء، تُسعف القلب حين يضيق، وتُعيد للعيون شفافيتها كلما أثقلها البكاء.
كنت أخجل أحيانًا من حضورها الطاغي في قلبي، من وهجها الذي يطوف في عينيّ كلما رأيت مشهدًا حزينًا أو سمعت أنينًا من بلادٍ موجوعة، أو نداءً خافتًا لأمنيات لا تجد من يحققها.
من أين أبدأ وأنا محاصرٌ بالحنين؟
الليل يطوي جسده على عتبات دعائي، يطرق باب صلاتي بأصابعه الباردة، كأنه يسألني عنها:
أما زلتَ تشتاق؟
أما زلتَ تبكي حين تمرّ الذكرى؟
أتسمعين نبض قلبي
يا أمّي؟
قلبي الآن يقرأ في غيابكِ كل آيات الوفاء، كما كان يقرأ بين يديكِ دروس الحياة الأولى، حين كنتِ تهمسين للدنيا:
“هذا ولدي.. دعوه يحلم”.
يا دفءَ أيّامي التي احتمت على كتف الرجاء، يا من كنتِ الرحمة تمشي على الأرض، والحنان يتهجّى خطواتكِ، كيف للغياب أن يكون دفئًا؟
وكيف للذكرى، في حضرتكِ، أن تكون وطناً لا يُغادر؟
رحمكِ الله يا أمي، يا مَن كنتِ في بيتنا نجوةً من قسوة العالم، ومأوى من شتات الهمّ.
في كل عام، حين تحلّ الذكرى، أضع قلبي على الورق، وأدعوه ليكتبكِ… كما كنتِ: بهية، قوية، صافية، وأُمًّا لا تتكرّر.