حوار مع المخرجة المغربية ابتسام الصروخ
في فضاءٍ يتشابك فيه الفن بالهمّ الإنساني، وتتماوج فيه الخشبة مع نبض الشارع المغربي، تبرز الفنانة ابتسام الصروخ كأحد الأصوات المسرحية الشابة التي اختارت أن تُعبّر عن قضايا مجتمعها بلغة رمزية، جريئة، وذات بعد وجداني عميق. من المسرح المدرسي إلى الاحتراف، ومن التمثيل إلى الإخراج والتأطير، رسمت ابتسام مسارًا متنوعًا يُعانق الفن من زواياه المختلفة، مؤمنةً بدور المسرح في التغيير والوعي.
في هذا الحوار، نقترب أكثر من عوالمها الإبداعية، نكتشف رؤيتها الفنية، ونتعرف على تجاربها التي جعلت منها وجهًا فاعلًا في المشهد الثقافي والفني بتطوان وخارجها.
حاورتها من لبنان: جميلة بندر
عضو بملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف
—
1. كيف تتذكرين بدايتك مع المسرح في مرحلة الإعدادي؟ هل كانت تجربة عفوية أم نتيجة شغف داخلي؟
ج: كانت تجربتي مع المسرح نتيجة شغف داخلي متجذر في أعماقي، فمنذ طفولتي كنت أتابع المسرحيات المغربية والعربية بشغف كبير، وكنت أشعر بانجذاب عميق نحو الركح، الكلمة، والحركة. لذلك، حين جاءت فرصة المشاركة في المسرح المدرسي في الإعدادي، كان الأمر بالنسبة لي استجابة طبيعية لذلك الشغف القديم.
2. كيف أسهمت البيئة المدرسية في صقل موهبتك المسرحية الأولى؟
ج: كان للبيئة المدرسية دور محوري في بداياتي المسرحية، فقد أتاح لي المسرح المدرسي فرصة الظهور والتعبير عن ذاتي في سن مبكرة، حيث وجدت تشجيعًا من بعض الأساتذة، وفضاءات صغيرة لكنها نابضة بالحياة والفرح. كانت تلك المرحلة بمثابة الأرض الخصبة التي أنبتت حبي الحقيقي لهذا الفن ودفعتني للاستمرار فيه.
3. بين دراسة القانون والانغماس في المسرح، كيف وجدتِ التوازن بين المسار الأكاديمي والفني؟ وهل للحقوق أثر في وعيك الفني؟
ج: التوفيق بين دراسة القانون وعالم المسرح لم يكن أمرًا يسيرًا، لكن مع الوقت أدركت أن بإمكاني الموازنة بينهما. القانون منحني وعيًا اجتماعيًا وإنسانيًا ساعدني في صياغة شخصياتي المسرحية وفهم التوترات المجتمعية التي أحاول معالجتها على الخشبة. كما أن دراستي للحقوق رسّخت داخلي قيمة العدالة، وعلّمتني الانحياز للإنسان المهمّش والمظلوم.
4. عام 2017 كان بداية الاحتراف بالنسبة لكِ، كيف تصفين لحظة العبور من الهواية إلى المسرح الاحترافي؟ وما التحديات التي واجهتك كفنانة شابة في بيئة ثقافية محلية مثل تطوان؟ وكيف تعاملت معها؟
ج: كانت لحظة الانتقال من الهواية إلى الاحتراف محطة فارقة في حياتي، شعرت بفرح ممزوج بالخوف والمسؤولية، حين انضممت إلى فرقة محترفة بمدينة تطوان. وكان دخولي بمحض الصدفة، إذ اختارني مخرج الفرقة لأداء دور محوري في إحدى مسرحياته. كانت تلك البداية الحقيقية بالنسبة لي، والانتقال من مواجهة جمهور محدود في المسرح المدرسي إلى جمهور أوسع في المدينة. أما عن التحديات، فقد تمثلت أساسًا في إثبات الذات وسط أسماء وطاقات مسرحية معروفة، وفي كسر الصورة النمطية عن أن الشابات لا يستمررن في هذا المجال، لكنني تمكنت من تجاوز ذلك بالإصرار والعمل المتواصل.
5. هل شعرتِ يومًا أن كونكِ امرأة في مجال المسرح فرض عليكِ اختيارات معينة أو مقاومات مضاعفة؟
ج: بصراحة، لم أشعر يومًا أنني تعرّضت لمضاعفات بسبب كوني امرأة في مجال المسرح، بالعكس، وجدت أن المجال كان منفتحًا على طاقتي وشغفي، ولاقيت دعمًا وتشجيعًا من المخرجين والزملاء. وكان يتم اختياري للأدوار حسب الكفاءة والحضور فوق الركح، وليس بناء على النوع. أؤمن أن الموهبة والعمل الجاد هما الفيصل الحقيقي، سواء كنت رجلًا أو امرأة.
6. تمثلين وتخرجين وتؤطرين، كيف تتنقلين بين هذه الأدوار؟ ما الدور الأقرب إلى وجدانكِ؟
ج: كل دور من هذه الأدوار يمنحني متعة خاصة. التمثيل هو الأقرب إلى وجداني، حيث أجد نفسي فيه، وأحس بمتعة الوقوف فوق الركح والانسجام مع الشخصيات، وأعيش تفاصيلها وأحزانها وأفراحها. أما الإخراج، فهو يمنحني متعة من نوع آخر، إذ يمكنني من رسم عالمي المسرحي الخاص، واختيار اللغة البصرية والرمزية التي تعكس رؤيتي. وبالنسبة للتأطير، فهو التزام ومسؤولية فنية وأخلاقية تجاه الأجيال الجديدة، وأعتبره طريقة لرد الجميل للمسرح وللذين آمنوا بموهبتي في بداياتي.
7. كيف تصفين تجربتك كمؤطّرة مسرحية ضمن منظمة JCI؟ وما القيمة التي أضافتها لكِ مهنيًا وشخصيًا؟
ج: كانت تجربة غنية ومؤثرة جدًا في مساري، لأنها أول تجربة تأطير مسرحي أقوم بها منذ بدأت المسرح، حيث كنت في البداية ممثلة فقط. ثم بعد ذلك طُلب مني تأطير شباب المنظمة مسرحيًا، فأفرغت كل ما تعلمته في تلك الورشة، واكتشفت أنني أستطيع تأطير الشباب المحب والشغوف بهذا الفن. من خلال هذه التجربة، تعلمت كيف أُبسط مفاهيم المسرح وأتواصل مع الشباب وأساعدهم على اكتشاف ذواتهم، كما منحتني فرصة التعرف على طاقات شابة واعدة، مما زاد من رغبتي في العمل الميداني والاشتغال على مشاريع فنية هادفة.
8. في مشاركتكِ ضمن لجنة التحكيم بإقصائيات المسرح المدرسي، كيف تقيمين واقع التجارب المسرحية المدرسية اليوم؟
ج: هناك تجارب مشرقة يقودها مربون وأطر يعشقون هذا الفن. في رأيي، المسرح المدرسي لو حظي بالعناية الكافية يمكن أن يكون خزانًا حقيقيًا للمواهب وفضاء للتعبير الحر والتربية الجمالية.
9. شاركتِ أيضًا في تقديم أمسيات شعرية وصالونات أدبية، هل تؤمنين بتكامل الفنون؟ وكيف توظفين ذلك في تجربتك؟
ج: طبعًا، لا أرى الفنون إلا كجسد واحد تتكامل فيه الأعضاء. المسرح في نظري هو وعاء جامع، يستعير من الشعر موسيقاه، ومن الموسيقى إيقاعها، ومن الفن التشكيلي ألوانه، ومن الرقص نبضه. لهذا أحرص في أعمالي على أن يكون العرض المسرحي متكامل الأبعاد، حيث تتعانق الكلمات مع النغمات، والحركة مع الضوء.
10. في رؤيتك، تركزين على المسرح الرمزي والكوميديا السوداء والتراجيديا. لماذا هذا التوجه بالتحديد؟
ج: لأنها وسائط مسرحية تمنحني حرية الغوص في أعماق الذات والواقع معًا. الرمزية تجعلني أعبّر عن المسكوت عنه بلغة مواربة، والكوميديا السوداء تكشف عبثية الواقع من خلال سخرية مرة، أما التراجيديا، فهي تضع الإنسان وجهًا لوجه أمام هشاشته. هذا الثلاثي بالنسبة لي هو بوابتي نحو مسرح إنساني صادق.
11. ما الذي يعنيه لكِ “المسرح الإنساني الجريء”؟ وكيف تسعين لتحقيقه على الخشبة؟ وإلى أي مدى يهمكِ أن تعكس أعمالك قضايا المجتمع المغربي؟ وهل تواجهين صعوبات رقابية أو مجتمعية في هذا السياق؟
ج: يعني لي مسرحًا لا يخاف من طرح الأسئلة المؤرقة. أحاول الاشتغال على نصوص تحاكي وجع الشارع المغربي دون تزويق. بالنسبة للرقابة، فلم أتعرض لأي صعوبات.
12. حدّثينا عن مسرحية “الكروازيير” لسنة 2025. ما الجديد الذي تحملينه فيها للمسرح المغربي؟
ج: “كروازيير” مسرحية ساخرة تنتمي إلى الكوميديا السوداء، وتطرح بجرأة قضايا النفاق العائلي وضغط التقاليد الاجتماعية على طموحات الشباب وأحلامهم. كانت هذه المسرحية تجربة خاصة ومتميزة بالنسبة لي، إذ إنها أول عمل مسرحي أتولى إخراجه بشكل كامل، وقد واجهت خلالها العديد من التحديات والصعوبات للخروج بعمل فني متوازن يمزج بين دراما الحزن وسخرية الكوميديا السوداء. كما حرصت على توظيف لوحات كوريغرافية كلاسيكية صاغها باقتدار الفنان مهدي خالدي، واهتممت باختيار إضاءة دقيقة لكل مشهد تعكس الصراعات الداخلية والخارجية التي تعيشها الشخصيات فوق الخشبة. لكن الأجمل في هذه التجربة هو فريقي الرائع، هم السند الحقيقي والقلب النابض لهذا العمل، لولا حماسهم والتزامهم وروحهم الفنية لما كان لهذا العرض أن يرى النور بهذه القوة.
13. ورشات إعداد الممثل التي نظمتِها، ما المنهجية التي تتبعينها؟ وهل تركزين على الجانب التقني أم الوجداني للممثل؟
ج: أعتمد منهجية متوازنة بين الإعداد التقني (الصوت، الحركة، تمارين التعبير الجسدي) والإعداد الوجداني، لأن الممثل لا يمكن أن يكون صادقًا على الركح دون أن يشتغل على ذاته ومخزونه الشعوري. وأحرص كذلك على تدريبه على الارتجال والتفاعل مع الفضاء والجمهور.
14. كيف تنظرين إلى وضعية الفنان المغربي اليوم، من حيث الحماية الاجتماعية والدعم المؤسسي؟ وهل تطمحين لتوسيع تجربتك خارج تطوان؟ ربما على المستوى العربي أو الدولي؟
ج: بكل صدق، وضعية الفنان المغربي ما تزال دون ما يستحقه، فالفنان يعيش بين هاجس العطاء وهمّ الغد المجهول. أما الدعم المؤسسي، ففيه الكثير من المحاباة، وكثيرًا ما يُستثنى المبدع الحقيقي الذي يشتغل خارج المنظومة التقليدية. أما بالنسبة لتوسيع تجربتي، فالمسرح والإبداع لا حدود له، ولا يمكن تقييده بحدود جغرافية، فالفن أوسع بكثير.
15. ما المشاريع الفنية التي تشتغلين عليها حاليًا؟ وهل تفكرين في خوض تجربة السينما أو التلفزيون؟ ولو أتيح لكِ أن تنقلي رسالة واحدة عبر المسرح، فما هي؟
ج: أنا حاليًا بصدد كتابة نص مسرحي بالدارجة المغربية المنغومة والقريبة من الزجل. أما عن السينما أو التلفزيون، فهي مجالات أقدّرها وأحترمها، لكنني لا أفكر في خوضها حاليًا، لأن شغفي واهتمامي منصبّ بالكامل على المسرح كفضاء إنساني حي قادر على تحقيق التفاعل المباشر وإثارة التفكير ومساءلة الواقع.
رسالتي من خلال المسرح، كانت وستبقى: “الفن مسؤولية، والمسرح ليس متعة عابرة، بل فعل مقاومة فكرية وجمالية”. كما أؤمن أن المسرح للجميع، وليس حكرًا على فئة معينة.
16. من خلال تجربتك في تقديم الأمسيات الشعرية، هل تستهويك كتابة الشعر أو تذوقه؟ وما طبيعة العلاقة التي تربطك بهذا الفن؟
ج: أنا متذوّقة شغوفة بالشعر، خاصة الزجل المغربي والشعر الحر، لكن لم أجرب كتابة الشعر بعد. أعتبر الشعر لغة القلب ووسيلة راقية للبوح والتمرد.
17. كيف ترين دور الملتقيات الشعرية في تغذية المشهد الثقافي؟ وبشكل خاص، ما تقييمك لملتقى الشعراء العرب الذي يرأسه الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد، والذي أصبح منصة فاعلة لتعزيز التبادل الثقافي العربي؟
ج: الملتقيات الشعرية فضاء حيوي لتبادل التجارب والاحتكاك بمبدعين من مختلف الأقطار، وملتقى الشعراء العرب بقيادة الشاعر ناصر رمضان عبد الحميد أصبح منصة فاعلة لتعزيز التبادل الثقافي العربي وإبراز الأصوات الشابة، وأتمنى أن تتضاعف مثل هذه المبادرات.
حاورتها من لبنان جميلة بندر
عضو ملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف