حوار مع الفنانة التشكيلية الأردنية إزدهار الصعوب
***
ازدهار الصعوب… من لغة الأرقام إلى فن الحياة
مقدمة بقلم رئيس التحرير
حين يفيض الإحساس وتضيق به المعادلات، يولد الفن من رحم الصمت. هكذا كانت رحلة الفنانة التشكيلية الأردنية ازدهار الصعوب، التي انتقلت من عالم المحاسبة إلى عوالم اللون والضوء، لتمنح ذاكرتها ووجدانها مساحة التعبير الأصدق.
فنانة تلامس من خلال لوحاتها نبض الأرض، وشيفرة المكان، ومشهدية الانتماء. اختارت أن تكون جزءًا من النسيج الثقافي الكركي، وأن تُسهم في ترسيخ الهوية والوعي بالجمال والتراث، لا عبر التوثيق البارد، بل من خلال التشكيل الحيّ والنابض.
في هذا الحوار، نقترب من ازدهار الصعوب الإنسانة والفنانة والناشطة، لنفهم أكثر كيف تترجم الألوان ما عجزت عنه الأرقام، وكيف يتحول الفن إلى رسالة مجتمعية شاملة.
***
س: كيف بدأ تحولكِ من الأرقام إلى الألوان؟ ومتى اكتشفتِ ميولكِ التشكيلية؟
ج: بدأت رحلتي من تخصّص دبلوم المحاسبة، حيث كنت أعمل في مجال الأرقام والتحليلات لفترة ليست قصيرة. لكن شيئًا ما في داخلي كان يفتقد الحياة. وجدت نفسي في الرسم، حين بدأت أمارسه كهواية في لحظات الفراغ. مع الوقت، تحوّل اللون إلى لغة داخلية، وأصبحت اللوحة وسيلتي للتعبير عن مشاعر لا تُختزل بالأرقام أو الحسابات. في كل لوحة كنت أخلق ذاتي من جديد، وأستعيد توازني الإنساني.
س: كيف تصفين تجربتك كفنانة تشكيلية انطلقت من الكرك؟ وما الرسالة التي تحرصين على إيصالها؟
ج: تجربتي في الكرك تحمل نكهة خاصة، لأنها انطلقت من عمق المكان والذاكرة. أحرص دائمًا على أن تعكس لوحاتي روح الانتماء، وأن تستحضر رمزية التراث من خلال اللون والخط والرمز. عرضتُ أعمالي في مواقع تاريخية كقلعة الكرك وأبراج الحجاز، وكان لذلك بعدٌ عميق في تعزيز العلاقة بين الماضي والحاضر. رسالتي الأساسية أن الجمال جزء من هويتنا، وأن الحفاظ على الثقافة والتراث مسؤولية كل فنان ومثقف.
س: ما أبرز أهداف جمعية ميشع المؤابي للثقافة والفنون؟ وما الذي تحقق منها حتى الآن؟
ج: الجمعية تهدف إلى تفعيل الحراك الثقافي المحلي، واحتضان المواهب الشابة في مجالات الفن والأدب والمسرح. حتى الآن، نجحنا في إقامة فعاليات ومعارض تركت أثرًا واضحًا، وساهمت في نشر الوعي الفني بين مختلف شرائح المجتمع، خاصة في محافظة الكرك.
س: كيف ترين واقع الحركة الثقافية في الكرك؟ وما أبرز التحديات؟
ج: هناك شغف واضح بالفن والثقافة في الكرك، لكننا نصطدم بعقبات كبيرة مثل قلة الدعم المالي، وغياب المساحات المخصصة للأنشطة الفنية، وضعف الإعلام المحلي في إبراز المواهب. التحدي الأكبر هو الاستمرارية، والحفاظ على الزخم وسط كل هذه التحديات.
س: كيف تقيّمين التكامل بين الثقافة والسياحة في الأردن؟ وهل يتم استثمار الإرث التاريخي كما ينبغي؟
ج: هناك محاولات جيدة، لكننا لم نصل بعد إلى مستوى الاستثمار الثقافي الحقيقي للإرث التاريخي. نحتاج إلى برامج تفاعلية تمزج بين الفن والتاريخ والسياحة، وتقدّم الثقافة بوصفها تجربة حية لا مجرد مشهد للتأمل. قلعة الكرك، على سبيل المثال، يمكن أن تتحول إلى مركز للفنون الحية لو أحسنّا استثمارها.
س: ما الذي يُهدد التراث اليوم؟ وكيف يمكن حمايته؟
ج: العولمة والاستهلاك المفرط لفكر الآخر يُعدان من أبرز التهديدات، إلى جانب غياب التوعية. حماية التراث تبدأ من التعليم، ومن إشراك الأطفال والناشئة في فعاليات تراثية حقيقية. الفن التشكيلي وسيلة فعّالة لإحياء هذا التراث، وتحويله من ذاكرة إلى تجربة يومية.
س: ما رمزية إقامة معارضكِ في مواقع أثرية؟ وهل للفضاء تأثير في تلقي الفن؟
ج: الفضاء ليس مجرد خلفية، بل شريك في التلقي والتأويل. حين تقام المعارض في مواقع ذات طابع تاريخي، فإن العمل التشكيلي يكتسب أبعادًا رمزية جديدة، ويتحوّل التفاعل مع الجمهور إلى تجربة ثقافية متكاملة. قلعة الكرك ليست فقط جدارًا حجريًا، بل ذاكرة جمعية تعمّدتُ أن أخاطبها بألواني.
س: ما الذي يدفعكِ دائمًا إلى الميدان في نشاطكِ التطوعي؟
ج: الإيمان العميق بأن التغيير يبدأ من الناس. العمل الميداني هو الأصدق تأثيرًا، لأنه يلامس الواقع ويعيد صياغة العلاقة بين الفنان والمجتمع. أرى أن للفنان دورًا مجتمعيًا لا يقل أهمية عن دوره الجمالي.
س: ما دور الفن والثقافة في تمكين الشباب؟
ج: الفن يُحرر، ويمنح الإنسان أداة للتعبير والتغيير. تمكين الشباب ثقافيًا يفتح أمامهم أبواب التفكير النقدي والإبداع، كما يسهم في تعزيز فرصهم الاقتصادية من خلال مشاريع فنية وريادية تفتح مجالات للعمل والإنتاج.
س: ما الرابط بين الأمن السيبراني ونبذ العنف وخطاب الكراهية؟
ج: العالم الرقمي بات ساحة للصراع والسلم معًا. التوعية بالأمن السيبراني تسهم في حماية الأفراد من العنف اللفظي وخطاب الكراهية. كفنانة وناشطة، أعمل على تعزيز خطاب التسامح من خلال أعمالي، وأحرص على نشر قيم التواصل والاحترام عبر الفن والمنصات المجتمعية.
س: ما رأيكِ بملتقى الشعراء العرب؟ وهل يجمعكِ رابط مباشر بالأدب؟
ج: أرى أن ملتقى الشعراء العرب يشكّل منصة رائدة لتكامل الأدب العربي. نعم، لي علاقة وثيقة بالأدب، وأستمد من الشعر إلهامي البصري، فالكلمة واللون لغتان متجاورتان، وغالبًا ما تتحوّل القصيدة في وجداني إلى لوحة، والعكس صحيح.
س: كيف تنجحين في التوازن بين دورك القيادي ودورك الفني؟
ج: السر في التنظيم والإيمان بالرسالة. أخصص وقتًا للقيادة والعمل المجتمعي، ووقتًا آخر للتأمل والإبداع الفني. لا أرى تعارضًا بين الدورين، بل أراهما متكاملين؛ فالإبداع يمنحني البصيرة، والعمل القيادي يمنحني الأثر.
س: لماذا تحرصين على دمج ذوي الإعاقة في نشاطاتك التطوعية؟
ج: لأن الفن حق للجميع، والإقصاء خيانة للجمال. دمج ذوي الإعاقة يثري العمل، ويضيف إليه بُعدًا إنسانيًا عميقًا. التحديات كانت كثيرة، لكن النتائج كانت أعمق بكثير مما توقعت، فقد منحوني إيمانًا أكبر بالحياة.
س: ما دلالات إطلاق اسم والدكِ على أحد شوارع عمّان؟
ج: هو تكريم كبير لعطاء والدي، واعتراف بمسيرته، ويعني لي الكثير على الصعيدين الشخصي والوطني. إنه تذكير دائم لي بأن العطاء لا يضيع، وأن الأثر الجميل يبقى حيًا في الذاكرة والشارع والناس.
س: ما الحلم الذي لا يزال يراودكِ؟ وهل تعملين على مشروع جديد؟
ج: حلمي هو تأسيس مركز ثقافي فني يجمع بين الفنون والتراث، يكون حاضنة للمبدعين الشباب، ونافذة نحو المستقبل. أعمل حاليًا على مشروع لنشر الفن في المدارس المحلية، كي نزرع الجمال في وعي الأجيال المقبلة منذ الصغر.
حوارتها من لبنان جميلة بندر
عضو ملتقى الشعراء العرب
محررة بمجلة أزهار الحرف